ستة من عهود النبي محمد بن عبد الله
(ص) لمسيحـيـي زمانه
رئيس التحرير
الدكتور جوهن أندرو مورو
(إلياس عبد العليم إسلام)
المحرران
د. عمرو ســلاّم
د. محمد الكــوش
© John Andrew Morrow, 2020
The Covenants of the Prophet Foundation
2415 Hobson Road
Fort Wayne, Indiana
United States, 46805
http://www.covenantsoftheprophet.org
http://www.johnandrewmorrow.com
You may download this work and share it with others so long as you credit the source completely. You cannot change this work in any way nor can you use it commercially.
Attribution-NonCommercial-NoDerivs CC BY-NC-ND
المحتويات
الفصل الأول: عهد النبي محمد (ص) لرهبان جبل سيناء
الفصل الثاني: عهد النبي محمد (ص) لنصارى فارس
الفصل الثالث: عهد النبي محمد (ص) لنصارى نجران
الفصل الرابع: عهد النبي محمد (ص) لنصارى العالم (مخطوط جبل لكرمل)
الفصل الخامس: عهد النبي محمد (ص) لنصارى العالم (مخطوط القاهرة)
الفصل السادس: عهد النبي محمد (ص) لنصارى الآشوريين
الفصل السابع: مراجعة كتاب عهود النبي محمد (ص) للعالم المسيحي
نداء مبادرة العهود النبوية
موقعو العهود النبوية
الفصل الأول
عهد النبي محمد (ص) لرهبان جبل سيناء
]من محمد رسول الله]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
نُسْخَةُ سِجِلِّ الْعَهْدِ كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى كَافَّةِ النَّصَارَى.
هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ بَشِيراً وَنَذِيراً وَمُؤْتَمَناً عَلَى وَدِيعَةِ اللهِ فِي خَلْقِهِ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً.
كَتَبَهُ لأَهْلِ مِلَّتِهِ وَلِجَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ دِينَ النَّصْرَانِيَةِ مِنْ مَشَارِقِِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِهَا، قَرِيبِهَا وبَعِيدِهَا، فَصِيحِهَا وعَجَمِيّهَا، مَعْرُوفِهَا وَمَجْهُولِهَا، كِتَاباً جُعِلَ لَهُمُ عَهْدًا.
فَمَنْ نَكَثَ الْعَهْدَ الَّذِي فِيهِ وَخَالَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ وتَعَدَّى مَا أَمَرَهُ كَانَ لِعَهْدِ اللهِ نَاكِثاً وَلِمِيثَاقِهِ نَاقِضاً وَبِدِينِهِ مُسْتَهْتِراً وَلِلَّعْنَةِ مُسْتَوْجِباً، سُلْطَاناً كَانَ أَمْ غَيْرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَإِذَا احْتَمَى رَاهِبٌ أَوْ سَائِحٌ فِي جَبَلٍ أَوْ وَادٍ أَوْ عُمْرَانٍ أَوْ سَهْلٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ رَدْنَةٍ أَوْ بَيْعَةٍ، فَأَنَا أَكُونُ مِنْ وَرَائِهِمْ، ذَابّاً عَنْهُمْ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ لَهُمْ بِنَفْسِي وَأَعْوَانِي وَأَهْلِ مِلَّتِي وَأَتْبَاعِي، لِأَنَّهُمْ رَعِيَّتِي وَأَهلُ ذِمَّتِي.
وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهُمُ الْأَذَى فِي الْمُؤَنِ الَّتِي تَحْمِلُ أهْلَ الْعَهْدِ مِنَ الْقِيَامِ بِالْخَرَاجِ، إِلاَّ مَا طَابَتْ نُفوسُهُمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ جَبْرٌ وَلاَ إِكْرَاهٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَلاَ يُغَيَّرُ أُسْقُفٌ مِنْ أُسقُفِيَتِهِ وَلاَ رَاهِبٌ مِنْ رَهْبانِيَّتِهِ وَلاَ جَليسٌ مِنْ صَوْمَعتِهِ وَلاَ سائِحٌ مِنْ سِياحَتِهِ. وَلاَ يُهْدَمُ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ كَنائِسهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَلاَ يَدْخَلُ شَيْءٌ مِمّا ِلكَنائِسهِمْ فِي بِناءِ مَسْجِدٍ وَلاَ فِي مَنَازِلِ الْمُسْلِمِينَ. ومَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ نَكَثَ عَهْدَ اللهِ وَخَالَفَ رَسُولَ اللهِ.
وَلاَ يُحْمَلُ عَلَى الرُّهْبَانِ وَالأَسَاقِفَةِ وَلاَ مَنْ يَتَعبَّدُ جِزْيَةٌ وَلاَ غَرامَةٌ، وَأَنَا أَحْفَظُ ذِمَّتَهُمْ أيْنَمَا كَانُوا مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، فِي المَشْرِِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَالشَّمَالِ وَالجَنُوبِ، وَهُمْ فِي ذِمَّتِي وَمِيثَاقِي وَأَمَانِي مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ.
وَكَذا مَنْ يَنْفَرِدُ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاضِعِ الْمُبَارَكَةِ لاَ يَلْزَمُهُمْ مِمَّا يَزْرَعُونَ لاَ خَراجَ وَلاَ عُشُرَ، وَلاَ يُشاطَرُونَ لِكَوْنِهِ بِرَسْمِ أَفْوَاهِهِمْ، ويُعَانُونَ عِنْدَ إِدْرَاكِ الغَلَّةِ بِإِطْلاَقِ قَدْحٍ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ إِرْدَبٍّ بِرَسْمِ أَفْوَاهِهِمْ.
وَلاَ يُلْزَمُونَ بِخُرُوجٍ فِي حَرْبٍ وَلاَ قِيَامٍ بِجِزْيةٍ وَلاَ مِنْ أَصْحَابِ الخَرَاجِ وَذَوِي الْأَمْوالِ وَالْعَقَارَاتِ وَالتِّجَارَاتِ مِمَّا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهماً بِالْحَجَمَةِ فِي كُل عَامٍ.
وَلاَ يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَطَطاً وَلاَ يُجَادَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ “إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، ويُخْفَضُ لَهُمْ جَنَاحُ الرَّحْمَةِ، ويُكَفُّ عَنْهُمْ أَدَبُ الْمَكْرُوهِ حَيْثُمَا كَانُوا وَحَيْثُمَا حَلُّوا.
وَإِنْ صَارَتِ النَّصْرَانِيَةُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَعَلَيْهِ “رِضَاهَا” وَتَمْكِينُهَا مِنَ الصَّلاةِ فِي بِيْعَتِهَا، وَلاَ يُحيلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ هَوَى دِينَهَا، وَمَنْ خَالَفَ عَهْدَ اللهِ وَاعْتَمَدَ بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى مِيثَاقَهُ وَرَسُولَهُ.
ويُعَانُونَ عَلَى مَرَمَّةِ بِيَعِهِمْ وَمَوَاضِعِهِمْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى دِينِهِم وَفَعَالِهم بِالعَهْدِ.
وَلاَ يُلْزَمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِثِقْلِ سِلاَحٍ، بَلِ الْمُسْلِمونَ يَذِبُّونَ عَنْهُمْ وَلاَ يُخَالِفُون هَذَا الْعَهْدَ أَبَداً إِلَى حِينِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَتَمْضِي الدُّنْيَا.
وشَهِدَ بِهَذَا الْعَهْدِ الَّذِي كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَمِيعِ النَّصَارَى وَالوَفَاءِ بِجَمِيعِ مَا شَرَطَ لَهُمْ عَلَيْهِ مَنْ أَثْبَتَ اسْمَهُ وشَهَادَتَهُ آخِرَهُ.
أَسْمـَـــاءُ الشُّهُودِ:
عليٌّ بنُ أبِي طَالِبٍ / أَبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي قُحَافَة / عَمرُ بْنُ الخَطَّابِ / عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ/ أَبُو الدَّرْداءِ/ أَبُو هُرَيْرَةَ / عبدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ /
عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ / حَارِثُ بْنُ ثَابِتٍ / عَبْدُ العَظِيم بْنُ حَسَنٍ / فُضَيْلُ بْنُ عَبَّاسٍ / الزُّبَيْرُ بْنُ العََوَّامِ / طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ الله / سَعْدُ بْنُ مُعاذَ / سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ / ثَابِتُ بْنُ نَفِيسٍ / زَيْدٌ بنُ ثَابِتٍ / أ[i]َبُوحَنيفَةَ بْنُ عُبَيَّةَ / هَاشِمُ بْنُ عُبَيَّةَ / مُعَظَّمُ بْنُ قُرَشِيٍّ / عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْروٍ بْنِ الْعَاصِ
عَامِرُ بْنُ ياسِينٍ /
وَكَتَبَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ هَذَا الْعَهْدَ بِخَطِّهِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَارِيخِ الثَّالِثِ مِنَ المُحَرَّمِ، ثَانِي سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
وَأُودِعَتْ نُسْخَتُهُ فِي خِزَانَةِ السُّلْطَانِ. وخُتِمَ بِخَتْمِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَهُوَ مَكْتوبٌ فِي جِلْدٍ أَديمٍ طَائِفِيٍّ.
فَطُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِهِ وَبِشُرُوطِهِ، ثُمَّ طُوبَى وَهُوَ عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّاجِينَ عَفْوَ رَبِّهِ.
وَفِي الْأَصْلِ المَنْقُولِ مِنْهُ هَذِهِ النُّسْخَةُ المُتَوَّجَةُ بالنِّيشَانِ الشَّرِيفِ السُّلْطَانِيِّ مَا صُورَتُهُ. نُقِلَتْ هَذِهِ النُّسَخَةُ مِنَ النُّسْخَةِ الَّتِي نُقِلَتْ مِنَ النُّسْخَةِ الْكَائِنَةِ بِخَطِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ.
بِالْأَمْرِ الشَّرِيفِ السُّلْطَانِي لاَ زَالَ نَافِذاً بِعَوْنِ الْمُعِينِ السُّبْحَانِيِّ، ووُضِعَتْ بأَيْدِي طَائِفَةِ الرُّهْبانِ القَاطِنِينَ بِجَبَلِ طُورِ سِينَا لِكَوْنِ النُّسْخَةِ المَنْقُولَةِ مِنْ نُسْخَةٍ بخَطِّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ ضَائِعَةٌ، وَلِيَكُونَ سَنَداً عَلَى مَا تَشْهَدُ بِهِ الْمَرَاسِيمُ السُّلْطانِيَةُ والمُرَبَّعاتُ والسِّجِلاَّتُ الَّتِي فِي أَيْدِي الطَّائِفَةِ المَزْبورَةِ.
صُورَةٌ نُقِلَتْ عَنِ الْأَصْلِ بِدُونِ الفَضْلِ وَالوَصْلِ.
نَمَّقَهُ أَضْعَفُ عِبادِ البَارِي نُوحٌ بْنُ أَحْمَدَ الْأَنْصَارِيُّ.
القَاضِي بمِصْرَ المَحْروسَةِ عَفَا عَنْهُمَا،
مَخُتومٌ بِخَتْمٍٍ مُسْتَديرٍ ثِقَتُهُ هَكَذَا
نُوحٌ أحْمَدُ الأَنْصَـاِريُّ
عَلَى شَاكِلَةِ مَهَر ٍأَصْلُهُ الْمُمْضَى هَذَا الإِمْضَاءُ
نَمَّقَهُ الفَقِيرُ مُحَمّدٌ الْقَاضِي بِمِصْرَ الْقَدِيمَةِ غُفِرَ لَهُ.
الفصل الثاني
عهد النبي محمد (ص) لنصارى فارس
] من محمد رسول الله [
(أورد النص أربي Arpee 1946: 355-360)
)تُرجم النص عن نسخة مكتوبة باللغة الإنجليزية نظراً لتعذر الحصول على أية نسخة عربية لهذه الوثيقة (
ترجم النص الإنجليزي: د. عمـرو ســـلاّم
بسم الله الرحمن الرحيم
لِيَكُنْ هَذَا الكِتَابُ مَعْرُوفاً بِخَطِّهِ وَأُسْلُوبِهِ عِنْدَ سَائِرِ النَّاسِ، بِـأَنَّهُ عَهْدٌ كُتِبَ لِجَمِيعِ الأُمَمِ النَّصْرَانِيَّةِ القَاطِنَةِ فِي سَائِرِ الدُّنْيَا فِي الجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ لِجَزِيرَةِ العَرَبِ وَفَارِسَ، أَوْ دَاخِلَهُمَا، سَوَاءً أَكَانُوا فِي اِتِّصَالٍ مُبَاشِرٍ بِالمُؤْمِنِينَ [المُسْلِمِينَ] أَوْ بَعِيدِينَ عَنْهُمْ، وَسَوَاءً أَكَانَتْ لَدَيْهِمْ مَعْرِفَةٌ بِالمُؤْمِنِينَ [المُسْلِمِينَ] أَمْ لَمْ تَكُنْ َلهُمْ مَعْرِفَةٌ بِهِمْ. إِنَّ هَذَا العَهْدَ هُوَ جَدِيرٌ بِالطَّاعَةِ، كَمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى المُسْلِمِينَ قَاِطَبةً أَنْ يَعْمَلُوا بِهِ. وَكُلُّ مَنْ اِعْتَبَرَ أَنَّ مِنْ وَاجِبِهِ العَمَلُ بِمَا جَاءَ فِي هَذَا العَهْدِ فَإِيمَانُهُ صَحِيحٌ كَإِيمَانِ أَهْلِ التَّقْوَى الَّذِينَ يَسْتَأْهِلُونَ الجَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ. أَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَحْرِيفَ مَا جَاءَ فِي العَهْدِ، أَوْ أَلْغَاهُ وَازْدَرَاهُ، أَوْ خَالَفَهُ وَعَصَى مَا فِيهِ مِنْ أَوَامِرَ، وَتَمَادَى فِي مُعَاكَسَتِهِ، فَإِنَّهُ سَيُعْتَبَرُ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللهِ وَمِيثَاقِهِ. وِكُلُّ مَنْ لَمْ يَحْتَرِمْ هَذَا الكِتَابَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَفْسَ الجَزَاءِ، سَوَاءٌ أَكَانَ حَاِكماً أَمْ كَانَ مِنْ الرَّعِيَّةِ، مُسْلِماً وَرِعاً كِانَ، أَمْ نَصْرَانِيّاً مُؤْمِناً.
ِلافْتِتَاحِ هَذَا المِيثَاقَ بِحَوْلِ اللهِ وَقَوَّتِهِ تَعَالَى الَّذِي مَنَحَنِي إِيَّاهَا بِالحَقِّ، أُعْطِي مِيثَاقاً غَلِيظاً لَمْ يُعْطِهِ أَيٌّ مِنْ الأَنْبِيَّاءِ مِنْ قَبْلِي وَلا شَهِدَ عَلَيْهِ المَلَائِكَةَ المُقَرَّبُونَ. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ أُمَّتِي مُلْزَمٌ بِالِاسْتِجَابَةِ وَالعَمَلِ بِمَا أُسَطِّرُهُ فِي هَذَا المِيثَاقِ.
عَلَى كُلِّ المُسْلِمِينَ المُتَّقِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ الدِّفَاعِ عَنِ المُؤْمِنِينَ [النَّصَارَى] وَاجِباً مُلْزِماً لَهُمْ، وَأَنْ يُسَاعِدُوهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا، قَرِيبِينَ أَمْ بَعِيدِينَ، وَفِي كُلِّ أَرْضِ النَّصَارَى؛ عَلَيْهِمْ حِمَايَةُ مَعَابِدِهِمْ وَأَدْيِرَةِ رُهْبَانِهِمْ وَقَسَاِوسَتِهِمْ؛ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُوجَدُونَ بِهِ، فِي اُلسَّهْلِ أَوْ فِي اُلْجَبَلِ، فِي البَادِيَّةِ أَوْ فِِي الحَضَرِ، فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ يُوجَدُونَ بِهِ. وَعَلَيْهِمْ حِمَايَةُ هَؤُلَاءِ القَوْمِ فِي دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، شَرْقاً وَغَرْباً، بَحْراً وَبَرّاً.
وَبِقَدْرِ اِحْتِرَامِ الْمُسْلِمِينَ وَتَوْقِيرِهِمْ لِي، فَإِنَّ مِنْ وَاجِبِهِمْ أَنْ يُدَافِعُوا عَنْ أُوْلَئِكَ النَّاسِ لِأَنَّهُمْ فِي ذِمَّتِنَا، وَإِذَا حَلَّتْ مُصِيبَةٌ أَوْ مَكْرُوهٌ بِهِمْ، فَعَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يُسَارِعُوا كَوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ لِإِغَاثَتِهِمْ وَحِمَايَتِهِمْ، فَهُمْ رَعَايَا أُمَّتِي يَأْتَمِرُونَ بِأَمْرِهَا وَيُبَادِلُونَ [المُسْلِمِينَ] العَوْنَ وَالمُسَاعَدَةَ.
وَلِذَلِكَ عَلَى [المُسْلِمِينَ] أَنْ يَسْهَرُوا عَلَى رَاحَتِهِمْ، وَيَحْمُوهُمْ وَيُسَاعِدُوهُمْ أَمَامَ أَيِّ اِعْتِدَاءٍ أَوْ خَطَرٍ أَوْ مِحْنَةٍ، وَيُزِيلُوا عَنْهُمْ أَيَّ شَيْءٍ يُؤَدِّي إِلَى نَهْبِهِمْ وَسَلْبِهِمْ. وَعِنْدَ جِبَايَةِ الجِزْيَةَ لَا ُيْطْلَبُ مِنْهُمِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَطِيعُونَ أَدَاءَهُ، بَلْ يَجِبُ أَخْذَ الأُمُورِ بِمُوَافَقَتِهِمْ وَرِضَاهُمْ دُونَ عُنْفٍ أَوْ اِسْتِعْمَالٍ لِلْقُوَّةِ. لَا تُمَسُّ بِنَايَاتُهُمْ وَلَا يُؤْذَى قَسَاوِسَتُهُمْ عِنْدَ الْقِيَامِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَلَا يُضْطَهَدُونَ بِسَبَبِ دِينِهِمْ أَوْ عَادَاتِهِمْ، بَلْ يَجِبُ تَرْكُهُمْ يُؤَدُّونَ صَلَوَاتَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ فِي أَمَاكِنَ عِبَادَتِهِمْ وَحَسَبَ طُقُوسِهِمْ، ولا تُهْدَمُ أَوْ تُخَرَّبُ كَنَائِسُهُمْ، وَلَا يَسْتَوْلِي أَحَدٌ عَلَى مَنَاِزلِهِمْ أَوْ قَصْرٍ مِنْ قُصُورِهِمْ لِيَتَّخِذَ مِنْهَا مَسْجِداً أَوْ مَسْكَناً بِدُونِ مُوَافَقَتِهِمْ. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ لِمَا جَاءَ فِي هَذَا الكِتَابِ، وَخَالَفَ أَوَامِرِي فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ عَصَى هَذَا العَهْدَ وَتَـَنكَّرَ لَهُ وَخَالَفَ أَمْرَ اللهِ وَرَسُولِهِ.
لَا يُـؤْخَذُ الخَرَاجُ مِنْهُمْ بِمَا يَفُوقُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ [مُقَابِلَهَا] مِنْ الكِسْوَةِ، وَيُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ وَيُصْرَفُ لِصَالِحْهِمْ. وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ عَنْوَةً إِلَّا مَا فَرَضْنَاهُ عَلَيْهِمْ. وَسَوَاءٌ أَكَانُوا تُجَّاراً وَأَصْحَابَ أَمْوَالٍ، أَمْ كَانُوا مِنْ سُكَّانِ البَرَارِي أَوْ مِنْ صَيَّادِي الُّلؤْلُؤِ فِي البَحْرِ، أَوْ مَالِكِينَ لِمَنَاجِمِ الأَحْجَارِ الكَرِيمَةِ أَوِ الذَّهَبِ أَوِ الفِضَّةِ، أَوْ مَالِكِينَ لِعَقَارَاتٍ خِصْبَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ اِثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً.
وَأَمَّا الَّذِينَ لَيْسُوا عَلَى دِينِ النَّصَارَى، وَلَا يُصَلُّونَ صَلَوَاتِهُمْ، فَيُـطْلَبُ مِنْهُمْ أَدَاءُ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ؛ وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ فِي ذِمَّتِهِمْ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا تَمَّ ذِكْرُهُ، [أَيْ] فِي حُدُودِ اِثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً، شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونُوا قَاطِنِينَ حَيْثُ يَقْطُنُ بَقِيَّةُ قَوْمِهِمْ. أَمَّا المُسَافِرُونَ الَّذِينَ لَا يَسْتَقِرُّونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَيَتَـنَقَّلُونَ بِاسْتِمْرَارٍ، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِمْ، إِلَّا إِذَا وَرِثَ أَحَدُهُمْ إِرْثاً يَكُونُ فِيهِ لِلْإِمَامِ حَظٌّ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّ الوَاجِبَ مِنَ الضَّرِيبَةِ الشَّرْعِيَّةِ تُسْتَخْلَصُ مِنْهُ. عَلَى أَنَّ مَنْ يُـؤَدِّي الضَّرِيبَةَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ تَعْنِيفٍ أَوْ شَطَطٍ فِي حَالَةِ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اُلْأَدَاءِ، وَلَا تَكُونُ قُصُورُهُ وَلَا غِلَالُهُ وَثِمَارُهُ مَوْضِعَ طَمَعٍ أَوْ جَشَعٍ.
وَلَا يُطْلَبُ مِنْ النَّصَارَى أَنْ يُقَاتِلُوا بِجَانِبِ المُسْلِمِينَ ضِدَّ أَعْدَاءِ الدَّينِ، كَمَا أَنَّ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي حَالَةِ حَرْبٍ أَوِ قِتَالٍ مَعَ الأُمَمِ الأَجْنَبِيَّةِ لَا يُلْزِمُونَ النَّصَارَى لِلْاِنْضِمَامِ إِلَيْهِمْ لِمُحَارَبَةِ العَدَوِّ. لَكِنْ إِذَا اعْتَدَى عَدُوٌّ عَلَى النَّصَارَى فَإِنَّهُ مِنْ وَاجِبِ المُسْلِمِينَ أََلاَّ يَبْخَلُوا عَلَيْهِمْ بِخَيْلِهِمْ وَسُيُوفِهِمْ وَرِمَاحِهِمْ، [فَهُمْ بِذَلِكَ] يُؤَدُّونَ عَمَلاً حَسَناً.
لَا يُجْبَرُ نَصْرَانِيٌّ بِاُلْقَوَّةِ عَلَى اِعْتِنَاقِ الِإسْلَامِ، وَلَا [يَخُوضُ أَحَدٌ فِي] جِدَالٍ مَعَ [النَّصَارَى] ِإلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَاُلْمُسْلِمُونَ يَخْفَضُونَ لِلنَّصَارَى جَنَاحَ الذُّلِّ أَيْنَمَا كَانُوا، وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ أَذَى الظَّالِمِينَ. وَإِذَا حَدَثَ لِنَصْرَانِيٍّ أَنْ اِرْتَكَبَ جُرْماً دُونَ قَصْدٍ، فَعَلَى المُسْلِمِينَ، وَمِنْ وَاجِبِهِمْ أَنْ يُسَاعِدُوهُ وَيَأْخُذُوا بِيَدِهِ فِي دُورِ القَضَاءِ [المَحَاكِمِ]، حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عِقَاباً مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ، وَتَعُودَ السَّكِينَةُ بَيْنَ طَرَفَيِ النِّزَاعِ وِفْقاً لِكتَابِ اللهِ.
وَإِذَا احْتَرَمَ [النَّصَارَى] الشُّرُوطَ المَذْكُورَةَ وَأَدُّوا الْجِزْيَةَ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ أَفْرَادِ أُمَّتِي، كَمَا أَنَّهُمْ مِنْ جِهَتِهِمْ لَا يَعْتَدُونَ وَلَا يَظْلِمُونَ المُسْلِمِينَ، مِنَ الْآنَ وَإِلَى أَنْ يَشَاءَ اللهُ. وَلَا يَتَزَوَّجُ المُسْلِمُونَ نِسَاءَ وَلاَ فَتَيَاتِ النَّصَارَى غَصْباً عَنْهُنَّ، إِلَّا بِمُوَافَقَةِ أَوْلِيَّائِهِنَّ أَوْ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِنَّ إِنْ أَرَدْنَ قِرَاناً أَوْ زَوَاجاً بِمُسْلْمٍ سَوَاءَ بِصِفَةٍ دَائِمَةٍ أَوْ بِصِفَةٍ مُؤَقَّتَةٍ، حَيْثُ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ حُرِّيـَّةُ اِخْتِيَارِ -عَنْ طَوَاعِيَّةٍ وَدُونَ إِكْرَاهٍ- مَنْ أَرَدْنَ وَمَنْ اِخْتَرْنَ الزَّوَاجَ مِنْهُ. وَإِذَا تَزَوَّجَتْ اِمْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ رَجُلاً مُسْلِماً، فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبْقَى عَلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَتَحْضُرَ صَلَوَاتِ الكَنِيسَةِ النَّصْرَانِيَّةِ بِدُونِ أَذىً أَوْ مَنْعٍ، وَتَعِيشَ كَمَا تُرِيدُ وِفْقَ عَقِيدَتِهَا وَشَرْعِ دِينِهَا. وَلاَ تُمْنَعُ مِنْ الاِتِّصَالِ بِمَنْ يَنْصَحُهَا مِنْ رِجَالِ الدِّينِ، وَلاَ تُكْرَهُ أَوْ تُجْبَرُ عَلَى تَرْكِ دِينِهَا وَشَرٍيعَةِ دِينِهَا. وَمَنْ عَارَضَ مَنْطُوقَ مَا فِي هَذَا العَهْدِ فَقَدْ عَارَضَ اُللهَ، وَعَلَيْهِ ِوزْرُ وَذَنْبُ مَا جَاءَ فِي هَذَا العَهْدِ الَّذِي كَتَبَهُ نَبِيُّ اللهِ وَرَسُولُهِ، وَهُوَ مِنَ اُلْمُذْنِبِينَ أَمَامَ اُللهِ.
وَعَلَى النَّصَارَى أَنْ يَسْهَرُوا عَلَى أَيِّ إِصْلَاحٍ أَوْ تَرْمِيمٍ لِكَنَائِسِهِمْ وَدُورِ عِبَادَتِهِمْ وَأَدْيِرَتِهِمْ. وَإِذَا طَلَبَ المُسْلِمُونَ المُسَاعَدَةَ مِنْ النَّصَارَى، خِدْمَةً لِمَا فِيهِ خَيْرُ عَامَّةِ المُسْلِمِينَ، فَعَلَى النَّصَارَى أَلَّا يَرْفُضُوا لَهُمْ طَلَبَ المُسَاعَدَةِ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَطِيعُونَ، مِنْ بَابِ الصَّدَاقَةِ وَحُسْنِ الظَّنِّ. وَبِمَا أَنَّ النَّصَارَى هُمْ فِي ذِمَّتِنَا وَقَدْ اِلْتَمَسُوا عِنْدَنَا المَلَاذَ وَالحِمَايَةَ، فَإِنَّنَا نَعْتَبِرُ كُلَّ مُسَاعَدَةٍ وَكُلَّ إِغَاثَةٍ لَهُمْ مَشْرُوعَةً. وَإِذَا أُرْسِلَ أَحَدُهُمْ كَرَسُولِ سَلَامٍ لِلتَّوَسُّطِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ، فَلَا أَحَدَ يَعْتَرِضُ سَبِيلَهُ؛ وَإِذَا كَانَ سَعْيُهُ يَخْدُمُ مَصْلَحَتَنَا فَسَعْيُهُ مَقْبُولٌ وَمَشْكُورٌ. وَمَنْ اِحْتَقَرَهُ فَهُوَ مِنَ اُلآثِمِينَ، وَعَدَوٌّ لِلَّهِ وَلِمَا أَنْزَلَ مِنَ الكِتَابِ.
[هنا يسترسل عهد آخر لمحمد نبي الله العظيم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كتبه للنصارى، وهو عهد [أقره] جلالة الملك بعد ما سبق من كلام في حق النصارى فيما يخص عقيدتهم وشريعتهم وقوانينهم، حريصاً على التشبث ببعض الوصايا التي يرى أنه من واجب النصارى أن يلتزموا بها. وعليهم ألا يقوموا بأي شيء يناقض ما سبق من الكلام، ويعملوا كل ما في وسعهم حتى يكونوا في وفاق تام مع ما سيلي]
إِحْدَى الوَصَايَا هِيَ الوَصِيَّةُ التَّالِيَّةُ: أَلَّا يُسَاعِدُوا المُشْرِكِينَ فِي أَيِّ شَيْءٍ سَوَاءً فِي اُلْعَلَنِ أَوْ فِي الخَفَاءِ، وَأَلَّا يَسْتَقْبْلُوا فِي دِيَارِهْمْ أَعْدَاءَ المُسْلِمِينَ كَيْ يَتَحَيَّنَ هَؤُلَاءِ الفُرْصَةَ المُنَاسَِبةَ لِمُهَاجَمَةِ المُسْلِمِينَ. وَأَلاَّ يَسْمَحُوا لِلْأَعْدَاءِ بِاُلاِخْتِبَاءِ فِي مَنَازِلِهِمْ أَوْ كَنَائِِسِهِمْ، وَأَلَّا يُؤْوُوا جُنُودَ العَدُوِّ أَوْ يُمِدُّوهُمْ بْرُمٍْح أَوْ سَيْفٍ أَوْ نَبْلٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ.
وَعَلَيْهِمْ أَلَّا يُرْشِدُوا [أَعْدَاءَ المُسْلِمِينَ] وَأَلَّا يُعَلِّمُوهُمْ كَيْفَ يُعِدُّونَ الكَمَائِنَ لِلْعَدُوِّ، وَأَلَّا يَقْبَلُوا وَدَائِعَ يُودِعُهَا العَدُوُّ عِنْدَهُمْ، وَأَلَّا يَتَخَابَرُوا مَعَ العَدَوِّ أَوْ يُسَاعِدُوهُ بِأَيِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، أَوْ يُجَهِّزُوا لَهُ مَأْوىً مَا عَدَا فِي حَالَةِ اُلإكْرَاهِ.
وَإِذَا وَفَدَ مُسْلِمٌ عَلَى مَنْزِلِ نَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا لُزُومَ لَهُ. وَعَلَى النَّصَارَى أَنْ يَصُدُّوا عَلَى المُسْلِمِينَ قَهْرَ وظُلْمَ الظَّالِمِينَ.
وإذا لَزِمَ اُلْأَمْرُ أَنْ يُجِيرَ النَّصَارَى مُسْلِماً فِي قُصُورِهِمْ أَوْ مَنَازِلِهِمْ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُهَيِّئُوا لَهُ مَكَاناً لِلْإِقَامَةِ، وَأَنْ يَعْتَنُوا بِهِ وَأَلَّا يُهْمِلُوهُ وَيَتْرُكُوهُ بِدُونِ طَعِامٍ مَا دَامَ مُخْتَبِئاً عِنْدَهُمْ. وَنِسَاءُ المُسْلِمِينَ وَأَطْفَالُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْدَعُوا أَو يُظْهِرُوا اِلْعَدَوَّ عَلَيْهِمْ، وَلَا أَنْ يَنْكُثَ النَّصَارَى هَذِهِ الوَصَايَا.
وَإِذَا عَارَضَ نَصْرَانِيٌّ مَا فِي هَذَا العَهْدِ أَوْ أَنْكَرَهُ، فَعَلَيْهِ وِزْرُ مَا فَعَلَ. وَعَلَيْهِ مَقْتُ اللهِ، وَيَنَالُ جَزَاءَهُ مِنْ رَسُولِ اُللهِ بِاُلْحَقِّ.
وَالنَّصَارَى أَيْنَمَا كَانُوا، عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْتَرِمُوا وَيَلْتَزِمُوا بِمَا جَاءَ فِي هَذَا العَهْدِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اُللهُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.
وَشَهِدَ عَلَى هَذَا العَهْدِ الحَاضِرُونَ مِنْ رِجَالِ الكَنِيسَةِ وَأُمَرَاءُ القَوْمِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ الأَعْظَمُ مُحَمَّدٌ.
الفصل الثالث
عهد النبي محمد (ص) لنصارى نجران
]من محمد رسول الله[
نُسْخَتُهُ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَذَا كِتَابُ أَمَانٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنَ النَّصَارَى، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِ نَجْرَانَ، وَإِنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِحَلِ النَّصْرَانِيَةِ،
كَتَبَهُ لَهُمْ مُحَمّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ، رَسُولُ اللهِ إِلىَ النَّاسِ كَافَّةً ذِمَّةً لَهُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَعَهِدَ عَهْدَهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعُوهُ وَيَعِْرفُوهُ وَيُؤْمِنُوا بِهِ وَيَحْفَظُوهُ لَهُمْ.
لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْوُلاَةِ وَلاَ لِذِي شِيعَةٍ مِنَ السُّلْطَانِ وَغَيِْرهِ نَقْضُهُ وَلاَ تَعَدِّيهِ إِلَى غَيِْرهِ،
وَلاَ حَمْلُ مَؤُونَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِين َعَلَيْهِمْ سِوَى الشُّرُوطِ الْمَشْرُوطَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
فَمَنْ حَفِظَهُ وَرَعَاهُ وَوَفَّى بِمَا فِيهِ فَهُوَ عَلَى الْعَهْدِ الْمُسْتَقِيمِ وَالْوَفَاءِ بِذِمَّةِ رَسُولِ اللهِ.
وَمَنْ نَكَثَهُ وَخَالَفَهُ إِلَى غَيِْرهِ وَبَدَّلَهُ فَعَلَيْهِ ِوزْرُهُ وَقَدْ خَانَ أَمَانَ اللهِ وَنَكَثَ عَهْدَهُ وَعَصَاهُ وَخَالَفَ رَسُولَهُ وَهُوَ عِنْدَ اللهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ، لِأَنَّ الذِّمَّةَ وَاجِبَةٌ فِي دِين ِاللهِ الْمُفْتَرَضِ وَعَهْدِهِ الْمُؤَكَّدِ. فَمَن ْلَمْ يَرْعَ خَالَفَ حَرَمَهَا وَمَنْ خَالَفَ حَرَمَهَا فَلاَ أَمَانَةَ لَهُ و َبرِئَ الله ُمِنْه ُوَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ.
فَأَمَّا السَّبَبُ الَّذِي اسْتَوْجَب لِأَهْلِ النَّصْرَانِيَةِ الذِّمَّةَ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ فَحَقٌ لَهُمْ لاَِزمٌ لِمَنْ كَانَ مُسْلِماً وَعَهْدٌ مُؤَكَّدٌ لَهُمْ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ ِرعَايَتُهُ وَالْمَعُونَةُ بِهِ وَحِفْظُهُ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ وَالْوَفَاءُ بِهِ،
إِذْ كَانَ جَمِيعُ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْكُتُبِ الْعَتِيقَةِ أَهْلَ عَدَاوَةٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعٍ بِالْبَغْضَاءِ وَالْجُحُودِ لِلصِّفَةِ الْمَنْعُوتَةِ فِي كِتَابِ اللهِ مِنْ تَوْكِيدِهِ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ نَبِيِّهِ، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ عَنْ غِشِّ صُدُوِرهِمْ وَسُوءِ مَأْخَذِهِمْ وَقَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ بِأَنْ عَمِلُوا أَوْزَارَهُمْ وَحَمَلُوهَا وَكَتَمُوا مَا أَكَّدُهُ اللهُ عَلَيْهِمْ فِيهَا بِأَنْ يُظْهِرُوهُ وَلاَ يَكْتُمُوهُ وَيَعِْرفُوهُ وَلاَ يَجْحَدُوهُ.
فَعَمِلَتِ الْأُمَمُ بِخِلاَفِ مَا كَانَتِ الْحُجَّةُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَرْعَوْهُ حَقَّ ِرعَايَتِهِ وَلَمْ يَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ بِالآثَاِر الْمَحْدُودَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى الْعَدَاوَةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالتَّأْلِيبِ عَلَيْهِمْ والتزيين لِلنَّاِس بِالتَّكْذِيبِ وَالْحُجَّةِ لاَ يَكُونُ اللهُ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاِس بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِِلََى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً يُبَشِّرُ بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَهُ وَيُنْذِرُ بِالنَّاِر مَنْ عَصَاهُ.
فَقَدْ حَمَلُوا مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مَا زَيَّنُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَزَيَّنُوا لِلنَّاسِ فِعْلَهُ وَدَفْعَ ِرسَالَتِهِ وَطَلَبَ الْغَائِلَةِ لَهُ وَالْأَخْذَ عَلَيْهِ بِالْمِرْصَادِ،
فَهَمُّوا بِرَسُولِ اللهِ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ وَأَعَانُوا الْمُشِْركِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيِْرهِمْ عَلَى عَدَاوَتِهِ وَالْمُمَارَاةِ فِي نَقْضِهِ وَجُحُودِهِ،
وَاسْتَوْجَبُوا بِذَلِكَ الاِنْخِلاَعَ مِنْ عَهْدِ اللهِ وَالْخُرُوجَ مِنْ ذِمَّتِهِ، وَكَانَ مِنْ أَمِْرهِمْ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ وَقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيِرِ وَرُؤَسَائِهِمْ وَمَا كَانَ مِنْ مُوَالاَتِهِمْ أَعْدَاءَ اللهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ وَمُظَاهَرَتِهِمْ إِيَّاهُمْ بِالْمَادَّةِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالسِّلاَحِ إِعَانَةً عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَدَاوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ.
خَلاَ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَةِ، فَلَمَّا لَمْ يُجِيبُوا إِلَى مُحَارَبَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ لِمَا وَصَفَهُمُ اللهُ مِنْ لِينِ قُلُوبِهِمْ لِأَهْلِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ وَمُسَالَمَةِ صُدُوِرهِمْ لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ،
وَكَانَ فِيمَا أَثْنَى اللهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَمَا أَنْزَلَهُ مِنَ الْوَحْيِ أَنْ وَصَفَ اليَهُودَ وَقَسَاوَةَ قُلوُبِهِمْ وَرِقَّةَ قُلُوبِ أَهْلِ النَّصْرَانِيَةِ إِلَى مَوَدَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنِْزلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ. وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ.﴾
وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ النَّصَارَى وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَالْمَعِْرفَةِ بِدِينِ اللهِ أَعَانُونَا عَلَى إِظْهَاِر هَذِهِ الدَّعْوَةِ وَأَمَدُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَحَبَّ مِنْ إِنْذَاِر النَّاسِ وَإِبْلاَغِهِمْ مَا أُرْسِلَ بِهِ.
وَأَتَانِي السَّيدُ وَعَبْدُ يَشُوعَ وَابْنُ حِجْرَةَ وَإِبْرَاهِيمُ الرَّاهِبُ وَعِيسَى الْأُسْقُفُ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِباً مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَمَعَهُمْ مِنْ مِلَّةِ أَصْحَابِهِمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ النَّصْرَانِيَةِ فِي أَقْطَاِر أَرْضِ الْعَرَبِ وَأَرْضِ الْعَجَمِ فَعَرَضْتُ أَمِْري عَلَيْهِمْ وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى تَقِْويَتِهِ وَإِظْهَاِرهِ وَالْمَعُونَةِ عَلَيْهِ.
وَكَانَتْ حُجَّةُ اللهِ ظَاهِرَةً عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَنْكُصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَلَمْ يُوَلُّوا مُدْبِِريِنَ وَقَارَبُوا وَلَبِثُوا وَرَضُوهُ وَأَرْفَدُوا وَصَدَّقُوا وَأَبْدَوْا قَوْلاً جَمِيلاً وَرَأْياً مَحْمُوداً وَأَعْطَوْنِي الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ عَلَى تَقِْويَةِ مَا أَتَيْتُهُمْ بِهِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ أَبَى وَخَالَفَهُ.
وَانْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِ دِينِهِمْ وَلَمْ يَنْكُثُوا عَهْدَهُمْ وَلَمْ يُبَدِّلُوا أَمْرَهُمْ بَلْ وَفَّوْا بِمَا فَارَقُونِي عَلَيْهِ وَأَتَانِي عَنْهُمْ مَا أَحْبَبْتُ مِنْ إِظْهَاِر الْجَمِيلِ وَحِلْفِهِمْ عَلَى حَرْبِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُوَافَقَةِ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّعْوَةِ عَلَى إِظْهَاِر أَمِْر اللهِ وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ وَالذَّبِّ عَنْ رَسُولِهِ فَكَسَّرُوا مَا احْتَجَّ بِهِ الْيَهُودُ فِي تَكْذِيبِي وَمُخَالَفَةِ أَمِْري وَقَوْلِي. وَأَرَادَ النَّصَارَى مِنْ تَقِْويَةِ أَمِْري وَنَصَبُوا لِمَنْ كَِرهَهُ وَأَرَادَ تَكْذِيبَهُ وَتَغْيِيرَهُ وَنَقْضَهُ وَتَبْدِيلَهُ وَرَدَّهُ.
وَبَعَثَ الْكُتُبَ إِلَيَّ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي أَقْطَاِر الْأَرْضِ مِنْ سُلُطَانِ الْعَرَبِ مِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الدَّعْوَةِ بِمَا كَانَ مِنْ تَجْمِيلِ رَأْيِ النَّصَارَى لِأَمِْري وَذَبِّهِمْ عَنْ غُزَاةِ الثُّغُوِر فِي نَوَاحِيهِمْ وَالْقِيَامِ بِمَا فَارَقُونِي عَلَيْهِ وَقَبِلْتُهُ إِذْ كَانَ الْأَسَاقِفَةُ وَالرُّهْبَانُ لِذَلِكَ مِنَّةٌ قَوِيَّةٌ فِي الْوَفَاءِ بِمَا أَعْطَوْنِي مِنْ مَوَدَّتِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَكَّدُوا مِنْ إِظْهَاِر أَمِْري وَالإِعَانَةِ عَلَى مَا أَدْعُو إِلَيْهِ،
وَأُِريدُ إِظْهَارَهُ، وَأَنْ يَجْتَمِعُوا فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ أَوْ جَحَدَ شَيْئاً مِنْهُ وَأَرَادَ دَفْعَهُ وَإِنْكَارَهُ، وَأَنْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ وَيَسْتَذِلُّوهُ.
فَفَعَلُوا وَاسْتَذَلُّوا وَاجْتَهَدُوا حَتَّى أَقَرَّ بِذَلِكَ مُذْعِناً وَأَجَابَ إِلَيْهِ طَائِعاً أَوْ مُكْرَهاً وَدَخَلَ فِيهِ مُنْقَاداً أَوْ مَغْلُوباً، مُحَامَاةً عَلَى مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَاسْتِقَامَةً عَلَى مَا فَارَقُوا عَلَيْهِ وَحِرْصاً عَلَى تَقِْويَةِ أَمِْري وَمُظَاهَرَتِي عَلَى دَعْوَتِي.
وَخَالَفُوا فِي وَفَائِهِمْ اليَهُودَ وَالْمُشِْركِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيِْرهِمْ، وَنَزَّهُوا نُفُوسَهُمْ عَنْ رِقَّةِ الْمَطَامِعِ الَّتِي كَانَتِ الْيَهُودُ تَتْبَعُهَا وَتُِريدُهَا مِنَ الْأَكْلِ لِلرِّبَا وَطَلَبِ الرَّشَا وَبَيْعِ مَا أَخَذَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ الْقَلِيلِ، ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ.﴾
فَاسْتَوَجَبَ الْيَهُودُ وَمُشِْركُو قُرَيْشٍ وَغَيْرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا بِذَلِكَ أَعْدَاءَ اللهِ وَرَسُولِهِ لِمَا نَوَوْهُ مِنَ الْغِشِّ وَزَيَّنُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَصَارُوا إِلَى حَرْبٍ عَوَانٍ مُغَالِبِينَ مَنْ عَادَانِي وَصَارُوا بِذَلِكَ أَعْدَاءَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَصَارَ النَّصَارَى عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ كُلِّهِ، رَغْبَةً فِي رِعَايَةِ عَهْدِي وَمَعْرِفَةِ حَقِّي وَحِفْظاً لِمَا فَارَقوُنِي عَلَيْهِ وَإِعَانَةً لِمَنْ كَانَ مِنْ رُسُلِي فِي أَطْرَافِ الثُّغُورِ، فَاسْتَوْجَبُوا بِذَلِكَ رَأْفَتِي وَمَوَدَّتِي وَوَفَائِي لَهُمْ بِمَا عَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ وَأَعْطَيْتُهُمْ مِنْ نَفْسِي عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِْسْلاَمِ فِي شَرْقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَذِمَّتِي مَادُمْتُ وَبَعْدَ وَفَاتِي إِذَا مَا أَمَاتَنِيَ اللهُ مَا نَبَتَ الإِسْلاَمُ وَمَا ظَهَرَتْ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالإِيمَانِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَهْدِي لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةًً وَمَا جَادَتِ السَّمَاءُ بِقَطْرَةٍ وَالأَرْضُ بِنَبَاتٍ، وَمَا أَضَاءَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ وَتَبَيَّنَ الصُّبْحُ لِلسَّارِينَ، مَا لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَلاَ تَبْدِيلُهُ وَلاَ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَلاَ الاِنْتِقَاصُ مِنْهُ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ تُفْسِدُ عَهْدِي وَالاِنْتِقَاصَ مِنْهُ يَنْتَقِصُ ذِمَّتِي،
وَيُلْزِمُنِي الْعَهْدُ بِمَا أَعْطَيْتُ مِنْ نَفْسِي، وَمَنْ خَالَفَنِي مِنْ أَهْلِ مِلَّتِي وَمَنْ نَكَثَ عَهْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِيثَاقَهُ صَارَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا.
وَإِنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ ثُلُثُ [كذا] نَفٍَر مِنْ أَصْحَابِهِ سَأَلُوا كِتَاباً لِجَمِيعِ أَهْلِ النَّصْرَانِيَةِ أَمَاناً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَهْداً يُنْجِزُ لَهُمْ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدُوهُمْ وَأَعْطَيْتُمُوهُ إِيَّاهُ مِنْ نَفْسِي (كذا)،
وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتَتِمَّ الصَّنْعَةَ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ كَانَتْ حَالُهُ حَالِي وَكَفَّ الْمَؤُونَةَ عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ دَعْوَتِي فِي أَقْطَاِر أَرْضِ الْعَرَبِ مِمَّنْ اِنْتَحَلَ اسْمَ النَّصْرَانِيَةِ وَكَانَ عَلَى مِلَلِهَا، وَأَنْ أَجْعَلَ ذَلِكَ عَهْداً مَرْعِياً وَأَمْراً مَعْرُوفاً يَمْتَثِـلُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَأْخُذُ بِهِ اْلمُؤْمِنُونَ.
فَأَحْضَرْتُ رُؤَسَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَفَاضِلَ أَصْحَابِي، وَأَكَّدْتُ عَلَى نَفْسِي الَّذِي أَرَادُوا وَكَتَبْتُ لَهُمْ كِتَاباً يُحْفَظُ عِنْدَ أَعْقَابِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ سُلْطَاناً أَوْ غَيْرَ سُلْطَانٍ،
إِنْفَاذَ مَا أَمَرْتُ بِهِ لِيَسْتَعْمِلَ بِمُوَافَقَةِ الْحَقِّ الوَفَاءَ وَالتَّخَلِّي إِلَى مَنِ الْتَمَسَ عَهْدِي وَإِنْجَازَ الذِّمَّةِ الَّتِي أَعْطَيْتُ مِنْ نَفْسِي لِئَلاَّ تَكُونَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ مُخَالِفَةً أَمِْري،
وَعَلَى السُّوْقَةِ أَنْ لاَ يُؤْذُوهُمْ وَأَنْ يُكَمِّلُوا لَهُمُ الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتُهُ لَهُمْ لِيَدْخُلُوا مَعِي فِي أَبْوَابِ الْوَفَاءِ وَيَكُونُوا لِي أَعْوَاناً عَلَى الْخَيِْر الَّذِي كَافَيْتُ بِهِ مَنِ اسْتَوْجَبَ ذَلِكَ مِنِّي وَكَانَ عَوْناً عَلَى الدَّعْوَةِ وَغَيْظاً لِأَهْلِ التَّكْذِيبِ وَالتَّشْكِيكِ،
وَلِئَلاَّ تَكُونَ الْحُجَّةُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ انْتَحَلَ مِلَّةَ الْإِسْلاَمِ مُخَالِفَةً لِمَا وَضَعْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْوَفَاءِ لَهُمْ بِمَا اسْتَوْجَبُوا مِنِّي وَاسْتَحَقُّوا،
إِذْ كَانَ ذَلِكَ يَدْعُو إِلَى اسْتِتْمَامِ الْمَعْرُوفِ وَيَجُرُّ إِلَى مَكَاِرمِ الْأَخْلاَقِ وَيَأْمُرُ بِالْحُسْنَى وَيَنْهَى عَنِ السُّوءِ، فِيهِ اِتِّبَاعُ الصِّدْقِ وَإِيثَارُ الْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وَكُتِبَ سِجِلاًّ نُسْخَتُهُ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَمُؤْتَمَناً عَلَى وَدِيعَةِ اللهِ فِي خَلْقِهِ وَلِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَالْبَيَانِ وَكَانَ عَِزيزاً حَكِيماً.
لِلسَّيِّدِ بْنِ الْحَاِرثِ بْنِ كَعْبٍ وَلِأَهْلِ مِلَّتِهِ وَلِجَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ دَعْوَةَ النَّصْرَانِيَةِ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، قَِريبِهَا وَبَعِيدِهَا، فَصِيحِهَا وَأَعْجَمِهَا، مَعْرُوفِهَا وَمَجْهُولِهَا،
كِتَاباً لَهُمْ عَهْداً مَرْعِيّاً وَسِجِلاًّ مَنْشُوراً سُنَّةً مِنْهُ وَعَدْلاً وَذِمَّةً مَحْفُوظَةً،
مَنْ رَعَاهَا كَانَ بِالْإِسْلاَمِ مُتَمَسِّكاً وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيِْر مُسْتَأْهِلاً، وَمَنْ ضَيَّعَهَا وَنَكَثَ الْعَهْدَ الَّذِي فِيهَا وَخَالَفَهُ إِلَى غَيِْرهِ وَتَعَدَّى فِيهِ مَا أَمَرْتُ كَانَ لِعَهْدِ اللهِ نَاكِثاً وَلِمِيثَاقِهِ نَاقِضاً وَبِذِمَّتِهِ مُسْتَهِيناً وَلِلَعْنَتِهِ مُسْتَوْجِباً، سُلْطَاناً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛
بِإِعْطَاءِ الْعَهْدِ عَلَى نَفْسِي بِمَا أَعْطَيْتُهُمْ عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ وَذِمَّةَ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ ذِمَّتِي وَمِيثَاقِي.
وَأَشَدُّ مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ حَقِّ الطَّاعَةِ وَإِيثَارِ الْفَرِيضَةِ وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللهِ أَنْ أَحْفَظَ أَجَاصِيهِمْ فِي ثُغُورِي بِخَيْلِي وَرَجْلِي وَسِلاَحِي وَقُوَّتِي وَأَتْبَاعِي فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْعَدُوِّ، بَعِيدًا كَانَ أَوْ قَرِيبًا، سِلْمًا كَانَ أَوْ حَرْبًا؛
وَأَنْ أَحْمِيَ جَانِبَهُمْ وَأَذِبَّ عَنْهُمْ وَعَنْ كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَبُيُوتِ صَلَوَاتِهِمْ وَمَوَاضِعِ الرُّهْبَانِ وَمَوَاطِنِ السُّيَاحِ حَيْثُ كَانُوا مِنْ جَبَلٍ أَوْ وَادٍ أَوْ مَغَارٍ أَوْ عُمْرَانٍ أَوْ سَهْلٍ أَوْ رَمْلٍ؛
وَأَنْ أَحْرُسَ دِينَهُمْ وَمِلَّتَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ شَرْقاً أَوْ غَرْباً بِأَنْ أَحْفَظَ بِهِ نَفْسِي وَخَاصَّتِي وَأَهْلَ الإِسْلاَمِ مِنْ مِلَّتِي؛
وَأَنْ أُدْخِلَهُمْ فِي ذِمَّتِي وَمِيثَاقِي وَأَمَانِي مِنْ كُلِّ أَذًى وَمَكْرُوهٍ أَوْ مَؤُونَةٍ أَوْ تَبِعَةٍ، وَأنْ أَكوُنَ مِنْ وَرَائِهِمْ ذَابًّا عَنْهُمُ كُلَّ عَدُوٍّ يُريِدُنِي وَإِيَّاهُمْ بِسُوءٍ بِنَفْسِي وَأَعْوَانِي وَأَتْبَاعِي وَأَهْلِ مِلَّتِي.
وَأَنَا ذُو السَّلْطَنَةِ عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيَّ رِعَايَتُهُمْ وَحِفْظُهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَلاَ يَصِلُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَصِلَ إِلَى أَصْحَابِي الذَّابِّينَ عَنْ بَيْضَةِ الإِسْلاَمِ مَعِي،
وَأَنْ أَعْزِلَ عَنْهُمُ الْأَذَى فِي الْمُؤَنِ الَّتِي يَحْمِلُهَا أَهْلُ الْجِهَادِ مِنَ الْغَارَةِ وَالْخَرَاجِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِجْبَارٌ وَلاَ إِكْرَاهٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ،
وَلاَ تَغْيِيرُ أُسْقُفٍ عَنْ أُسْقُفِيَتِهِ وَلاَ رَاهِبٍ عَنْ رَهْبَانِيَتِهِ وَلاَ سَائِحٍ عَنْ سِيَاحَتِهِ وَلاَ هَدْمُ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ بِيَعِهِمْ وَلاَ إِدْخَالُ شَيْءٍ مِنْ بِنَائِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمَسَاجِدِ وَلاَ مَنَاِزلِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ نَكَثَ عَهْدَ اللهِ وَخَالَفَ رَسُولَهُ وَحَادَ عَنْ ذِمَّةِ اللهِ.
وَأنْ لاَ يُحَمَّلُ الرُّهْبَانُ وَالْأَسَاقِفَةُ وَلاَ مَنْ تَعَبَّدَ مِنْهُمْ أَوْ لَبِسَ الصُّوفَ أَوْ تَوَحَّدَ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاضِعِ الْمُعْتَِزلَةِ عَنِ الْأَمْصَاِر شَيْئًا مِنَ الِْجزْيَةِ أَِو الْخَرَاجِ،
وَأَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى غَيِْرهِمْ مِنَ النَّصَارَى مِمَّنْ لَيْسَ بِمُتَعَبِّدٍّ وَلاَ رَاهِبٍ وَلاَ سَائِحٍ، عَلىَ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ ثَوْبِ حِيرَةٍ أَوْ عَصَبِ الْيَمَنِ، إِعَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَقُوَّةً لِبَيْتِ الْمَالِ؛
وَإِنْ لَمْ يَسْهُلِ الثَّوْبُ عَلَيْهِمْ طُلِبَ مِنْهُمْ ثَمَنُهُ، وَلِيقُومَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ بِمَا تَطِيبُ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَلاَ نَتَجَاوَزُ جِزْيَةَ أَصْحَابِ الْخَرَاجِ وَالْعَقَارَاتِ والتِّجَارَاتِ العَظِيمَةِ فِي البَحِْر و الْأَرْضِ، وَاسْتِخْرَاجِ مَعَادِنِ الْجَوْهَرِ وَالذَّهَبِ والْفِضَّةِ، وَذَوِي الأَمْوَالِ الْفَاشِيَةِ وَالْقُوَّةِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ دِينَ النَّصْرَانِيَةِ، أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا مِنَ الْجُمْهُوِر فِي كُلِّ عَامٍ إِذَا كَانُوا لِلْمَوَاضِعِ قَاطِنِينَ وَفِيهَا مُقِيمِينِ؛
وَلاَ يُطْلَبُ ذَلِكَ مِنْ عَابِرِ سَبِيلٍ لَيْسَ مِنْ قُطَّانِ الْبَلَدِ وَلاَ أَهْلِ الاِجْتِيَازِ مِمَّنْ لاَ تُعْرَفُ مَوَاضِعُهُ.
وَلاَ خَرَاجَ وَلاَ جِزْيَةَ إِلاَّ عَلىَ مَنْ يَكُونُ ِفي يَدِهِ مِيرَاثٌ مِنْ مِيرَاثِ الْأَرْضِ، مِمّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ لِلسُّلْطَانِ حَقٌّ، فَيُؤدِّي ذَلِكَ عَلَى مَا يُؤَدِّيهِ مِثْلُهُ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلاَ يَحْمِلُ مِنْهُ إِلاَّ قَدْرَ طَاقَتِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى عَمَلِ الْأَرْضِ وَعِمَارَتِهَا وَقَبَالَةِ ثَمَرَتِهَا.
وَلاَ يُكَلَّفُ شَطَطاً وَلاَ يُتَجَاوَزُ بِهِ حَدُّ أَصْحَابِ الْخَرَاجِ مِنْ نُظَرَائِهِ، وَلاَ يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ الْخُرُوجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلىَ عَدُوِّهِمْ لِمُلاَقَاةِ الْحُرُوبِ وَمُكْتَشِفَةِ الْأَقْرَانِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مُبَاشَرَةُ الْقِتَالِ وَإِنَّمَا أُعْطُوا الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ لاَ يُكَلَّفُوا ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ ذُبَّاباً عَنْهُمْ وَجِوَاراً مِنْ دُونِهِمْ، وَلاَ يُكْرَهُوا عَلَى تَجْهِيزِ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْحَرْبِ الَّذِي يَلْقَوْنَ فِيهِ عَدُوَّهَمْ بِقُوَّةٍ وَسِلاَحٍ أَوْ خَيْلٍ إِلاَّ أَنْ يَتَبَرَّعُوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، فِي كَوْنِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَتَبَرَّعَ بِهِ حُمِدَ عَلَيْهِ وَعُِرفَ لَهُ وَكُوفِئَ بِهِ.
وَلاَ يُجْبَرُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ النَّصْرَانِيَةِ كُرْهًا عَلَى الإِسْلاَم،ِ “وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”، وَيُخْفَضُ لَهُمْ جَنَاحُ الرَّحْمَةِ وَيُكَفُّ عَنْهُمْ أَذَى الْمَكْرُوهِ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ كَانُوا مِنَ الْبِلاَدِ.
وَإِنْ أَجْرَمَ أَحَدٌ مِنَ النَّصَارَى أَوْ حَتَّى جَنَى جِنَايَةً، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْرُهُ وَالْمَنْعُ وَالذَّبُّ عَنْهُ وَالْغُرْمُ عَنْ جَرِيرَتِهِ وَالدُّخُولُ فِي الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ، فَإِمَّا مَنَّ عَلَيْهِ أَوْ يُفَادَى بِهِ؛ وَلاَ يُرْفَضُوا وَلاَ يُخْذَلُوا وَلاَ يُتْرَكُوا هَمَلاً لِأَنِّي أَعْطَيْتُهُمْ عَهْدَ اللهِ عَلَى أَنَّ لَهُمُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا عَلَيْهِمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي اِسْتَوْجَبُوا حَقَّ الذِّمَامِ وَالذَّبِّ عَنِ الْحُرْمَةِ، واسْتَوْجَبُوا أَنْ يُذَبَّ عَنْهُمُ كُلُّ مَكْرُوهٍ حَتَّى يَكُونُوا لِلْمُسْلِمِينَ شُرَكَاءَ فِي مَالِهِمْ وَفِي مَا عَلَيْهِمْ.
وَلاَ يُحَمَّلُوا مِنَ النِّكَاحِ شَطَطاً لاَ يُرِيدُونَهُ، وَلاَ يُكْرَهُ أَهْلُ الْبِنْتِ عَلَى تَزْوِيجِ الْمُسْلِمِينِ وَلاَ يُضَارُّوا فِي ذَلِكَ إِنْ مَنَعُوا خَاطِباً وَأَبَوْا تَزْوِيجاً، لِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِطِيبَةِ قُلُوبِهِمْ وَمُسَامَحَةِ أَهْوَائِهِمْ إِنْ أَحَبُّوهُ وَرَضُوا بِهِ.
وَإِذَا صَارَتِ النَّصْرَانِيَةُ عِنْدَ المُسْلِمِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى بِنَصْرَانِيَتِهَا وَيَتَّبِعَ هَوَاهَا فِي الاِقْتِدَاءِ بِرُؤَسَائِهَا وَالْأَخْذِ بِمَعَالِمِ دِينِهَا وَلاَ يَمْنَعُهَا ذَلِكَ، فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَأُكْرَهَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمِْر دِينِهَا فَقَدْ خَالَفَ عَهْدَ اللهِ وَعَصَى مِيثَاقَ رَسُولِهِ وَهُوَ عِنْدَ اللهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ.
وَلَهُمْ إِنِ اِحْتَاجُوا فِي مَرَمَّةِ بِيَعِهِمْ وَصَوَامِعِهِمْ أَوْ شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ أُمُوِرهِمْ وَدِينِهِمْ إِلَى رَفْدِ الْمُسْلِمِينَ، تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى مَرَمَّتِهَا، أَنْ يُرْفَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَيُعَاوَنُوا، وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ دَيْناً عَلَيْهِمْ بَلْ تَقِْويَةً لَهُمْ عَلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ، وَوَفَاءً بِعَهْدِ رَسُولِ اللهِ، مَوْهِبَةً لَهُمْ وَمِنَّةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَيْهِمْ.
وَلَهُمْ أَنْ لاَ يُلْزَمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَدُوِّهِمْ رَسُولاً أَوْ دَلِيلاً أَوْ عَوْناً أَوْ مُخْبِراً، وَلاَ شَيْئاً مِمَّا يُسَاسُ بِهِ الْحَرْبُ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ كَانَ ظَالِماً لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ عَاصِياً، وَمِنْ ذِمَّتِهِ مُتَخَلِّياً، وَلاَ يَسَعُهُ فِي إِيمَانِهِ إِلاَّ الْوَفَاءُ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ الَّتِي شَرَطَهَا مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَسوُلُ اللهِ لِأَهْلِ مِلَّةِ النَّصْرَانِيَةِ؛
وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أُمُوراً يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ التَّمَسُّكُ وَالْوَفَاءُ بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ، مِنْهَا أَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَيْناً وَلاَ رَقِيباً لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي سِرِّهِ وَعَلاَنِيَتِهِ، وَلاَ يَأِْوي مَنَاِزلَهُمْ عَدُوٌّ لِلْمُسْلِمِينَ يُِريدُونَ بِهِ أَخْذَ الْفُرْصَةِ وَانْتِهَازَ الْوَثْبَةِ، وَلاَ يَنِْزلُوا أَوْطَانَهُمْ وَلاَ ضِيَاعَهُمْ وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاكِنِ عِبَادَاتِهِمْ وَلاَ غَيِْرهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَلاَ يَرْفُدُوا أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِتَقْوِيَةٍ لَهُمْ بِسِلاَحٍ وَلاَ خَيْلٍ وَلاَ ِرجَالٍ وَلاَ غَيْرِهِمْ، وَلاَ يُصَانِعُوهُمْ، وَأَنْ يُقِرُّوا مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، فِي أَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ حَيْثُ كَانُوا وَحَيْثُ مَالُوا، يَبْذُلُونَ لَهُمُ الْقِرَى الَّذِي مِنْهُ يَأْكُلوُنَ، وَلاَ يَكْفُلوُا سِوَى ذَلِكَ فَيَحْمِلُوا الْأَذَى عَلَيْهِمْ وَالْمَكْرُوهَ.
وَإِنْ اُحْتِيجَ إِِلَى إِخْفَاءِ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ مَنَاِزلِهِمْ وَمَوَاطِنِ عِبَادَتِهِمْ أَنْ يُؤْوُوهُمْ وَيَرْفُدُوهُمْ وَيُوَاسُوهُمْ فِيمَا يَعِيشُونَ بِهِ مَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ، وَأَنْ يَكْتُمُوا عَلَيْهِمْ وَلاَ يُظْهِرُوا الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ، وَلاَ يُخْلُوا شَيْئًا مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ.
فَمَنْ نَكَثَ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ وَتَعَدَّاهَا إِلَى غَيْرِهَا فَقَدْ بَِرئَ مِنْ ذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ، وَعَلَيْهِمُ الْعُهُودُ وَالمَوَاثِيقُ الَّتِي أُخِذَتْ عَنِ الرُّهْبَانِ، وَأَخْذُهَا وَمَا أَخَذَ كُلُّ نَبِيٍّ عَلىَ أُمَّتِهِ مِنَ الأََمَانِ وَالْوَفَاءِ لَهُمْ وَحِفْظُهُمْ بِهِ؛
وَلاَ يُنْقَضُ ذَلِكَ وَلاَ يُغَّيَرُ حَتَّى تَقوُمَ السَّاعَةُ إِنْ شَاءَ اللهُ.
وَشَهِدَ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّصَارَى
عَتِيقُ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ [أبو بكر] / عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ / عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ / عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ / أَبُو ذَرٍ / أَبُو الدَّرْدَاءِ / أَبُو هُرَيْرَةَ / عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ / الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ / الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ / الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ / طَلْحَةُ بْنُ عبد اللهِ / سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ / سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ / ثُمَامَةُ بْنُ قَيْسٍ / زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَوَلَدُهُ عَبْدُ اللهِ / حُرْقُوصَ بْن زُهَيْرٍ / زَيْد ُبْن أرْقَمِ / أُسَامَةُ بْن ُزَيْدٍ / عُثمَان بْن ُمَظْعُونٍ / مُصْعَبُ بْنُ الزبَيْرٍ بن جبير / أَبُو الْعَالِيَةِ / عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ / أَبُو حُذَيْفَةَ / كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ / حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ / جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ / وَكَتَبَهُ مُعَاِويَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ
الفصل الرابع
عهد النبي محمد ( ص) لنصارى العالم
(مخطوط جبل الكرمل)
]من محمد رسول الله]
[بسم الله الرحمن الرحيم]
الْعَهْدُ وَالشُّرُوطُ الَّتِي شَرَطَهَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ لأهْلِ الْمِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ
كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيراً وَنَذِيراً، عَلَى وَدِيعَةِ اللَّهِ فِي حَقِّهِ، لِتَكُونَ حُجَّةَ اللَّهِ سِجِلَّ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ فِي مَشْرِقِ الْأَرْضِ وَمَغْرِبِهَا، وفَصيحِها وأعجَمِها، قَرِيبِهَا وَبَعِيدِهَا، ومَعْرُوفِها ومَجْهُولِها، كِتَاباً جَعَلَهُ لَهُمْ عَهْداً مَرْعِيّاً، وسِجلّاً مَنْشُوراً، وَصِيَّةً مِنْهُ تُقِيمُ فِيهِ عَدْلَهُ، وَذِمَّةً مَحْفُوظَةً. فَمَنْ كَانَ بِالْإِسْلَامِ مُتَمَسِّكاً، وَلِما فِيهِ مُتَسَاهِلاً مِنْ صَنِيعِهَا، وَنَكَثَ الْعَهْدَ الَّذِي فِيهَا وَخَالَفَهُ إلَى غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعَدَّى فِيهِ مَا أَمَرْتُ بِهِ، كَانَ لِعَهْدِ اللَّهِ نَاكِثاً، ولميثاقِه نَافِياً، وبذِمَّتِهِ مُسْتَهِيناً، سُلْطَاناً كَانَ أوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، فبدأتُ بِإِعْطَاءِ الْعُهُودِ عَلَى نَفْسِي، وَالْمَوَاثِيقَ الَّتِي يَسْألونَها عَنِّي وَعَنْ جَمِيعِ أَهَاليَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِأَنْ أُعْطِيَهُمْ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، وَذِمَّةَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَأَصْفِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَذِمَّتِي وَمِيثَاقِي أَشَدُّ ما أَخَذَ اللَّهُ عَلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، أَوْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، مِنْ حَقِّ الطَّاعَةِ وَإِيتَاءِ الْفَرِيضَةِ وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ، أَنْ أَحْفَظَ قَاضِيهِمْ فِي ثغوري بِخَيْلِي وَرِجَالِي وَأَعْوَانِي وَأتْبَاعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْعَدُوّ،ِ بَعِيدًا كَانُوا أَمْ قَرِيباً، سِلْماً كَانُوا أَمْ حَرْباً، وَأَومِنَهُمْ وَأَذِبَّ عَنْهُمْ وَعَنْ كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَمُصَلَّاهُمْ وَمَوَاضِعِ الرُّهْبَانِ مِنْهُمْ وَمَوَاطِنِ السِّيَاحَةِ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَما وُجِدُوا، فِي جَبَلٍ أَوْ وَادٍ، أَوْ مَغارةٍ أَوْ عُمْرَانٍ، أَوْ سَهْلٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَأَنْ أَحُوطَ دينَهُمْ وَمُلْكَهُمْ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ وُجِدُوا، فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، فِي شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ، بِمَا أَحُوطُ بِهِ نَفْسِي وَخِلَّتِي وَأَهْلَ مِلَّتِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ أُدْخِلَهُمْ فِي أَمَانِي مِنْ كُلِّ أَذىً وَمَكْرُوهٍ وَسَوْءَةٍ وَتَبِعَةٍ، وَأَنْ أَكونَ مِنْ وَرَائِهِمْ دَارِئاً عَنْهُمْ كُلَّ عَدُوٍّ يُرِيدُنِي وَإِيَّاهُمْ بِنَفْسِي وَأَتْبَاعِي وَأَعْوَانِي وَأَهْلِ مِلَّتِي، وَأَنَا ذُو سُلطةٍ عَلَيْهِمْ، وَبِذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيَّ رَعْيَهُم وَحِفْظَهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَأَنْ لاَ يَصِلَ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَصِلَ إليَّ و أَصْحَابِي الذّابِّـينَ عَنْ نَصيبَةِ الْأَمْرِ، وَأنْ أَعْزِلَ عَنْهُمْ الْأَذَى فِي الْمَوَادِّ الَّتِي تَحْمِلُ أَهْلَ الْعَهْدِ مِنْ الْعَارِيَّةِ وَالْخَراجِ، إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ جَبْرٌ وَلاَ إكْرَاهٌ فِي ذَلِكَ، وَلاَ يُنْفى أُسْقُفٌ عَنْ أُسْقُفِيَّتِهِ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيَّتِهِ، وَلاَ رَاهِبٌ عَنْ رُهْبَانِيِّتِهِ، وَلاَ سَائِحٌ عَنْ سِيَاحَتِهِ، وَلاَ رَاهِبٌ عَنْ صَوْمَعَتِهِ، وَلَا يُهْدَمُ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ كَنَائِسِهِمْ، وَلاَ يَدْخُلُ شَيْءٌ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَلاَ فِي مَنَازِلِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ نَكَثَ وَعْدَ اللَّهِ، وَخَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ، وَخَانَ ذِمَّةَ اللَّهِ، وَأَنْ لاَ يُحَمَّلُ الرُّهْبَانُ وَلاَ الْأَسَاقِفَةُ وَلاَ جَمِيعُ مَنْ لَمْ يُلْزَمْ بِثَمَنِهِ، إِلَّا أَنْ تَطِيبَ بِذَلِكَ أَنْفُسُهُمْ، وَلاَ يُجَاوِزُوا الْجِزْيَةَ عَلَى أَصْحَابِ التِّجَارَاتِ الْعِظَامِ، وَالغَوَّاصينَ، وَالَّذِينَ يُخْرِجُونَ مَعَادِنَ الْجَوْهَرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَذَوِي الْأَمْوَالِ الْجَمَّةِ وَالْقُوَّةِ، مِمَّنْ انْتَحَلَ النَّصْرَانِيَّةَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً في كُلِّ عَامٍ، إذَا كَانُوا فِي الْمَوْضِعِ قَاطِنِينَ وَبِهِ مُقِيمِينَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِعَابِرِ سَبِيلٍ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَاطِنِي الْبَلَدِ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ مَوْضِعُهُ الْخَرَاجَ وَلاَ الْجِزْيَةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ مِيرَاثُ الْأَرْضِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَالُ السُّلْطَانِ مِنْ حَقٍّ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ عَلَى مَا يُؤَدِّي غَيْرُهُ، وَلَا يُتَجاوَزُ عَلَيْهِ وَلاَ يُحْمَلُ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ طَاقَتِهِ وَقُوَّتِهِ، وعَلَى مَنْ يَجُوزُ مِنْ الْأَرْضِ وَعِمَارَتِهَا وَإِقْبَالِ ثَمَرِهَا لاَ يُكَلَّفُ شَطَطاً وَلَا يُجَازُ بِهِ عَنْ حَدِّ أَصْحَابِ الخَراجِ مِنْ نُظَرَائِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ أَهْلُ ذِمَّةٍ الْخُرُوجَ مَعَ الْمَلَإِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى عَدُوِّهِمْ لِمُلَاقَاةِ الْحَرْبِ وَمُكاشَفَةِ الْأَقْرَانِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مُبَاشَرَةُ الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا أُعْطُوْا الذِّمَّةَ عَلَى أَنْ لَا يُكَلَّفُوا، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمونَ ذَبَّابينَ عَنْهُمْ مُحرِزينَ مِنْ دُونِهُمْ، وَلَا يُكْرَهُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ للْحَرْبِ الَّتِي يَلْقَوْنَ فِيهَا عَدُوَّهُمْ، وَلَا بِقُوَّةٍ مِنْ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعُوا، فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ تَبَرَّعَ بِهِ وَعُرِفَ لَهُ ذَلِكَ وَكُفِيَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُجْبَرُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنَ الْإِسْلَامِ كُرْهًا، وَلَا يُجَادَلُ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، َوُيخْفَضُ لَهُمْ جَنَاحُ الرَّحْمَةِ، وَيُكَفُّ عَنْهُمْ الْأَذَى وَالْمَكْرُوهُ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ وُجِدُوا، وَإِنْ جَرَأَ أَحَدٌ مِنْ النَّصَارَى جَرِيرَةً أَوْ جَنَى جِنَايَةً، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْرُهُ وَمَنْعُهُ وَالذَّبُّ عَنْهُ وَالغَرْمُ عَنْ جَرِيرَتِهِ وَالدُّخُولُ فِي الصُّلْحُ بَيْنَهُ َوبَيْنَ مَا أَصَابَ مِنَّا عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِدَاءً يُفَادَى بِهِ، وَلاَ يُخْذَلُوا وَلا يُرْفَضُوا، بَلْ أَعْطَيْتُهُمْ عَهْدَ اللَّهِ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلِلْمُسْلِمِينَ مَا لَهُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا عَلَيْهِمْ، بِالْعَهْدِ الَّذِي اَسْتَوْجَبهُ حَقُّ الرِّعَاءِ وَالذَّبُّ عَنْ الْحُرْمَةِ، بِهِ اسْتَوْجَبُوا بِذَبٍّ عَنْهُمْ كُلَّ مَكْرُوهٍ، وَيَدْخُلُ لَهُمْ فِي كُلِّ مِرْفَقٍ، حَتَّى يَكونَ المُسْلِمُونَ شِرْكاً فِيمَا لَهُمْ وَفِيمَا عَلَيْهِمْ، وَلَهُمْ أَنْ تَحْمِلَ مِنْ أَمْرِ النِّكَاحِ شَطَطاً، وَلَا يُكْرِهُوا أَهْلَ الْبِنْتِ مِنْهُمْ عَلَى تَزْوِيجِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُضَارُّوا فِي ذَلِكَ إِنْ مَنَعُوا خاطِباً وأَبَوْا تَزْويجاً، فإنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ وَمُسَامَحَةِ أَهْوَائِهِمْ إنْ أَحَبُّوهُ وَرَضَوْهُ، وَإذَا صَارَتِ النَّصْرَانِيَّةُ فِي بَيْتِ الْمُسْلِمِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْضِيَ هَوَاهَا فِي دِينِهَا مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِرُؤَسَائِهَا وَالْأَخْذِ بِمَعَالِمِ دِينِهَا، وَلَا يَمْنَعُهَا فِي ذَلِكَ وَلاَ يُكْرِهُهَا عَلَى تَرْكِهَا وَلَا يُضَارَّهَا فِي تَرْكِ دِينِهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأكْرَهَهَا عَلَيْهِ، فَقَدْ أَخْلَفَ عَهْدَ اللَّهِ وَعَصَى مِيثَاقَ رَسُولِ اللَّهِ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ. ولَهُمْ إنْ احْتَاجُوا إلى مَرَمَّةِ كَنايِسِهِمْ أَوْ صَوامِعِهمْ أَوْ شَيْءٍ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ إلَى مَرْفَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَعُونَةٍ عَلَى مَرَمَّةٍ، أَنْ يَرْفُدُوا عَلَيْهِ وَيُعَاوِنُوا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا، بَلْ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ، وَوَفَائِهِمْ بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ هِبَةً مُوهَبَةً لَهُمْ، ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ. وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ عَدُوٌّ وَقَالُوا: كُنْ رَسُولاً أَوْ دَلِيلاً أَوْ مُسَخَّراً أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُومُ الْحَرْبُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَحَدٍ، كَانَ ظَالِماً وَلِرَسُولِ اللَّهِ عَاصِياً وَمِنْ وَصِيَّتِهِ مُخْتَلِفًا.
هَذَهِ الشُرُوطُ الَّتي شَرَطَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِأَهْلِ الْمِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَأَشْرِطَ عَلَيْهِمْ فِي دِينهمْ أُمُوراً فِي ذِمَّتِهِمْ، عَلَيْهِم التَّمَسُّكُ بِهَا وَالْوَفَاءُ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهَا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَيْناً لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ، وَلَا بِوَفَاءٍ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَا يَأْوُوا عَدُوّاً لِمُسْلِمٍ، وَلَا يَنْزِلُ أَوْطَانَهُمْ وَلاَ فِي مَسَاكِنِ عِبَادَتِهِمْ، وَلاَ يَرْفُدُوا أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقُوَّةٍ مِنْ عَارِيَّةِ السِّلَاحِ وَلاَ الْخَيْلِ وَلاَ الرِّجَالِ، وَلاَ يَسْتَودِعُوا لَهُمْ مَالًا، وَلاَ يُكاتِبُوهُمْ، وَلَا يُصَافِحوهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دَارٍ يَذِبُّونَ فِيهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ يَدْرَؤُونَ عَنْ دِمَائِهِمْ وَرِعَايَةِ دِينِهِمْ، وَلاَ يَمْنَعُونَ أَحَداً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِرَاَيَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَلِدَوَابِّهِمْ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ وُجِدُوا، وَيْبذُلُونَ لَهُمْ الْقِرَى الَّذِي مِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَلَا يَكُفُّوا عَلَى ذَلِكَ فَيَحْمِلُوا الْأَذِيَّةَ عَنْهُمْ وَالْمَكْرُوهَ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى اخْتِفَاءِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَمَوَاطِنِ إعْمَارِهِمْ، أَنْ يَوَدُّوهُمْ وَيْرْفِدُوهُم وَيُواسُوهُمْ عَمَّا شَقَّ بِهِ مَا كَانُوا مُخْتَفِينَ، إذَا كَتَمُوا عَنْهُمْ وَلَمْ يُظْهِرُوا الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَتِهِمْ وَلَمْ يُخِلُّوا مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ نَكَثَ مِنْهُمْ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَتَعَدَّاهَا إلَى غَيْرِهِ، فَبَرِئَ مِنْ ذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِ اللّه، عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ الَّتِي أُخِذَتْ عَنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَشَدُّ مَا أَخَذَ اللَّهُ والنَّبِيُّ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَالْوَفَاءِ بِمَا جَعَلَ لَهُمُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، رِعَايَةُ ذَلِكَ لَهُمْ وَعِزَّتُهُمْ بِهِ وَالِانْتِهَاءُ إلَيْهِ أَبَداً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَتَنْقَضِيَ الدُّنْيَا، وَأُشْهِدَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ النَّصَارَى الَّذِي أَشَرَطَ عَلَيْهِمْ وَ كَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْعَهْدَ.
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ / عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ / عُثْمَان بْنُ عَفَّانَ / عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ / مُعَاوِيَةُ بْنُ أبي سُفْيَانَ / أَبُو الدَّرْدَاءِ / أَبُو ذَرٍّ / أَبُو هُرَيْرَةَ / عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ / عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ / حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فُضَيْلٌ / زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ / عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ زَيْدٍ / حُرْقُوصَ بْن زُهَيْرٍ / الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ / سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ / ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ / أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ / عُثْمَانُ بْنُ مَظعُونٍ / عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ / ابْنُ رَبِيعَةَ / حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ / جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ / الْفَضْلُ ابْنُ الْعَبَّاسِ / طَلْحَةُ بْنُ عُبْيدِ اللَّهِ / سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ / زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ / سَهْلُ بْن بَيْضَا / دَاوُد بْنُ جُبَيْرٍ / أَبُو الْعالِيَةِ / أَ بُو حُذَيْفَةَ/ بْنُ عَسِيرٍ/ هَاشِمُ بْنُ عسيه / عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ / كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ / كَعْبُ بْنُ كَعْبٍ / رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَ كَتَبَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ إِمْلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمَ اَلْإِثْنَيْنِ تَمَامَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ وَكَفَىََ بِاللَّهِ شَهِيداً عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الفصل الخامس
عهد النبي محمد (ص) لنصارى العالم
(مخطوط القاهرة)
]من محمد رسول الله[
بِسْمِ اللهِ الْخَالِقِ الْحَيِّ النَّاطِقِ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلاَئِقِ
هذا نسخة الْعَهْدِ الَّذِي كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ ابْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِكَافَّةِ النَّصَارَى
نُسْخَةُ كِتَابِ الْعَهْدِ
هَذَا عَهْدُ اللهِ أَمَرَ بِكِتَابَتِهِ مُحَمَّدٌ ابْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ لِكَافَّةِ النَّصَارَى وَسَائِرِ الرُّهْبَانِ حِفْظاً مِنْهُ لَهُمْ وَرِعَايَةً، لِأَنَّهُمْ وَدِيعَةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ لِيَكُونَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ وَلاَ يَكُونُ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرَّسُولِ. وَجَعَلَ ذَلِكَ ذِمَّةً مِنْهُ وَحِفْظاً لَهُمْ بِأَمْرِ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً كَتَبَهُ الْأَسَدُ وَأَهْلُ مِلَّتِهِ لِكُلِّ مَنْ يَنْتَحِلُ دَعْوَةَ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ مَشْرِقِ الْأَرْضِ وَمَغْرِبِهَا، وَقَرِيبِهَا وَبَعِيدِهَا، عَرَبِيِّهَا وَعَجَمِيِّهَا، مَعْرُوفاً وَمَجْهُولاً، عَهْداً مِنْهُ وَعَدْلاً لَهُمْ سُنَّةً مِنْهُ تُحْفَظُ.
مَنْ رَعَاهَا كَانَ بِالإِسْلاَمِ مُتَمَسِّكاً، وَلِدِينِهِ مُسْتَأْهِلاً. وَمَنْ نَكَثَهَا وَضَيَّعَ الْعَهْدَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ وَغَيَّرَهُ وَتَعَدَّى فِيهِ مَا أَمَرَ بِهِ، كَانَ لِعَهْدِ اللهِ نَاكِثاً وَلِمِيثَاقِهِ نَاقِضاً وَبِدِينِهِ مُسْتَهِيناً وَلِلَعْنِهِ مُسْتَوْجِباً، سُلْطَاناً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ.
فَبَدَأْتُ فِيهِ بِإِعْطَاءِ الْعَهْدِ عَلَى نَفْسِي وَالْمَوَاثِيقِ الَّتِي سَأَلُوا عَنِّي وَعَنْ جَمِيعِ مِلَّتِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ أُعْطِيَهُمْ [عَهْدَ] اللهِ وَمِيثَاقَهُ وَذِمَّةَ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَذِمَّتِي وَمِيثَاقِي وَأَشَدَّ مَا أَخَذَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ مِنْ حَقِّ الطَّاعَةِ وَإِتْيَانِ الْفَرِيضَةِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ.
عَهْدَ اللهِ أَنْ أَحْفَظَ أَرْضَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ بِقُدْرَتِي وَخَيْلِي وَرِجَالِي وَسِلاَحِي وَقُوَّتِي وَأَتْبَاعِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَأَنْ أَحْمِيَ بِيَعَهُمْ وَأَذِبَّ عَنْهُمْ وَعَنْ كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَبُيُوتِ صَلَوَاتِهِمْ مَوَاضِعَ لِلرُّهْبَانِ [كذا] مِنْهُمْ وَمَوَاضِعَ لِلسُّوَاحِ [كذا] حَيْثُ كَانُوا مِنْ جَبَلٍ أَوْ وَادٍ أَوْ مَغَارَةٍ أَوْ عُمْرَانٍ أَوْ سَهْلٍ أَوْ رَمْلٍ، وَأَنْ أَحْفَظَ ذِمَّتَهُمْ وَمِلَّتَهُمْ وَدِينَهُمْ أَيْنَ كَانُوا شَرْقِياً أَوْ غَرْبِيّاً أَوْ بَحْرِيّاً أَوْ قَبْليّاً بِمَا أَحْفَظُ بِهِ نَفْسِي وَخَاصَّتِي وَأَهْلِ مِلَّتِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَنْ أُدْخِلَهُمْ فِي ذِمَّتِي وَمِيثَاقِي وَأَمَانِي فِي كُلِّ حِينٍ وَمَوَدَّةٍ وَأَصُدَّ عَنْهُمْ كُلَّ أَذىً أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ تَبِعَةٍ، وَأَنْ أَكُونَ مِنْ قُوَّاتِهِمْ ذَابًّا عَنْهُمْ كُلَّ عَدُوٍّ أَوْ مُؤْذِي وَأَفْدِيَهِمْ بِنَفْسِي وَأَعْوَانِي وَأَتْبَاعِي وَأَهْلِ مِلَّتِي لِأَنَّهُمْ رَعِيَّتِي وَأَهْلُ ذِمَّتِي وأبيد [كذا] السُّلْطَةَ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ عَليَّ رِعَايَتُهُمْ وَحِفْظُهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَلاَ يَصِلُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَصِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ حَيْثُ يَصِلُ إِلَى أَصْحَابِي الذَّابِّينَ عَنْهُمْ وَعَنْ نُصْرَةِ الْإِسْلاَمِ.
وَأَنْ أَعْزِلَ عَنْهُمُ الْأَذَى فِي الْمُؤَنِ الَّتِي تُحَمَّلُ لِأَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ العَارِيَةِ بِالْخَرَاجِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نُفُوسُهُمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ جُورٌ وَلاَ إِكْرَاهٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَلاَ تَغْيِيرُ أُسْقُفٍ عَنْ أُسْقُفِيَّتِهِ وَلاَ رَاهِبٍ مِنْ رَهْبَانِيَتِهِ وَلاَ نَصْرَانِيٍّ مِنْ نَصْرَانِيَّتِهِ وَلاَ زَاهِدٍ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَلاَ سَائِحٍ مِنْ سِيَاحَتِهِ، وَلاَ يُهْدَمُ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ، وَلاَ يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ مَنْزِلِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَلاَ مَنَازِلِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ نَكَثَ عَهْدَ اللهِ وَخَالَفَ رَسُولَهُ وَحَادَ عَنْ ذِمَّتِهِ.
وَلاَ تُحَمَّلُ الرُّهْبَانُ وَلاَ الْأَسَاقِفَةُ وَلاَ مَنْ تَعَبَّدَ مِنْهُمْ وَكَافَّةُ لاَبِسِي الصُّوفِ أَوْ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاضِعِ الْمُعْتَزِلَةِ عَنِ الْأَبْصَارِ شَيْءٌ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ.
وَأَنْ يَقْتَصََََََرَ بِغَيْرِهِمْ مِنَ النَّصَارَى مِمَّنْ لاَ يَتَعَبَّدُ وَلاَ رَاهِبٍ وَلاَ سَائِحٍ مِنَ الْجِزْيَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ ثَوْبٍ لَطِيفِ الثَّمَنِ، وَمَنْ عَدِمَ الثَّمَنَ وَالقُوتَ أَعَانُوهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قُوتِ بَيْتِ المَالِ، فَإِنْ لَمْ يُسَهَّلْ عَلَيْهِمُ القُوتُ حُمِلَ عَنْهُمْ وَلاَ يَقُومُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ بِمَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ.
وَلاَ يُتَجَاوَزُ بِجِزْيَةِ الْخَرَاجِ مِنَ الْعِمَارَاتِ وَالتِّجَارَاتِ الْعِظَامِ فِي الْبَحْرِ وَالْغَوْصِ، وَفِي اسْتِخْرَاجِ الْمَعَادِنِ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذَوِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُنْتَحِلِي النَّصْرَانِيَّةِ اثْنَا عَشَرَ فِصَّةً جِزْيَةٌ فِي كُلِّ عَامٍ إِذَا كَانُوا بِالْمَوَاضِعِ قَاطِنِينَ مُقِيمِينَ.
وَلاَ يُعْتَرَضُ عَابِرُ طَرِيقٍ وَلَيْسَ مِنْ أَقْطَارِ الْبِلاَدِ وَلاَ مِنْ أَهْلِ الاِخْتِيَارِ مِمَّنْ لاَ يُعْرَفُ مَوْضِعُهُ بِخَرَاجٍ وَلاَ جِزْيَةٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ مِيزَانٌ مِنْ مَوَازِينِ الْأَرْضِ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ مَالُ السُّلْطَانِ مِنْ حَقٍّ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ مَا يُؤَدِّي مِثْلَهُ، وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ وَلاَ يَحْمِلُ فِيهِ إِلاَّ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى تَحْوِيطِ الْأَرْضِ وَعِمَارَتِهَا وَأَقْبَلَ ثَمَرَتُهَا. وَلاَ يُكَلَّفُ شَطَطاً وَلاَ يُتَجَاوَزُ حَدُّ أَصْحَابِ الْخَرَاجِ مِنْ نُظَرائِهِ.
وَلاَ يُكَلَّفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ الْخُرُوجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى عَدُوِّهِمْ لِمُلاَقَاةِ الْحَرْبِ وَمُكَاشَفَةِ الْأَبْرَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الذِّمَّةِ مُبَاشَرَةُ الْقِتَالِ، وَأُعْطُوا الدِّيَةَ عَلَى أَنْ لاَ يُكَلَّفُوا ذَلِكَ. وَأَنْ تَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ دَفْعاً عَنْهُمْ وَجَزَراً مِنْ دُونِهِمْ وَلاَ يُكْرَهُوا عَلَى تَجْهِيزِ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْحَرْبِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ عَدُوُّهُمْ بِقُوَّةٍ مِنَ السِّلاَحِ وَلاَ خَيْلٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ يَسْتَبْرِعُ مُتَبَرِّعٌ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مَا تَقَوَّى الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ عَارِيَةٌ مَضْمُونُهُ يَضْمَنُهُ بَيْتُ الْمَالِ إِلَى أَنْ تُرَدَّ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ تُوُفِّيَ أَوْ غِيرَ عَلَيْهِ غُرِمَ لَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنْ صُلْبِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأُدِّيَ إِلَيْهِ وَحُمِلَ إِلَى مَنْ يَتَبَرَّعُ وَغُرِمَ لَهُ وَأُوفِيَ عَلَيْهِ.
وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي مِلَّةِ النَّصْرَانِيَةِ كُرْهاً عَلَى الإِسْلاَمِ وَلاَ يُجَادَلُوا إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَيُحْفَظُ لَهُمْ جَنَاحُ الرَّحْمَةِ وَيُكَفُّ عَنْهُمُ الْأَذَى وَالْمَكْرُوهُ حَيْثُ مَا كَانُوا وَأَيْنَ مَا حَلُّوا.
وَإِنْ أَجْرَمَ أَحَدٌ مِنَ النَّصَارَى أَوْ جَنَى جِنَايَةً فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نُصْرَتُهُ وَمعُونَتُهُ وَمُسَاعَدَتُهُ وَالذَّبُّ عَنْهُ وَالْمَغْرَمَةُ عَنْهُ وَعَنْ جَرَِيرَتِهِ وَالدُّخُولُ فِي الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ أَوْ بِمُسَاعَدَتِهِ أَوْ بِإِنْقَاذِهِ.
وَلاَ يُجَادَلُوا وَلاَ يُرْفَضُوا وَلاَ يُتْرَكُوا هَمَلاً لِأَنِّي أَعْطَيْتُهُمْ عَهْدَ اللهِ، عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا عَلَيْهِمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي اسْتَوْجَبُوا حَقَّ الذِّمَامِ وَالذَّبِّ عَنِ الْجِزْيَةِ. وَاسْتَوْجَبُوا أَنْ يُذَبَّ عَنْهُمْ كُلُّ مَكْرُوهٍ وَيُدْخَلُ بِهِمْ تَحْتَ كُلِّ تَرَفُّقٍ وَيَكُونُوا لِلْمُسْلِمِينَ شُرَكَاءَ بِمَا عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ.
وَلاَ يُحَمَّلُوا مِنَ النِّكَاحِ شَطَطاً إِلاَّ مَا يُرِيدُوهُ، وَلاَ تُكْرَهُ الْبَنَاتُ مِنْهُمْ عَلَى تَزْوِيجِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ يُضَادُّوا بِذَلِكَ إن مَنَعُوا خَاطِباً أَوْ بِزِيجَةٍ تَزْوِيجاً لِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِطِيبَةِ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ إِنْ أَحَبُّوهُ وَرَضُوا بِهِ.
وَإِنْ صَارَتِ النَّصْرَانِيَةُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى بِنَصْرَانِيَتِهَا وَيُعِينَهَا عَلَى هَوَاهَا مِنَ الاِقْتِدَاءِ بِرُؤَسَائِهَا وَالْأَخْذِ بِمَعَالِمِ دِينِهَا، فَمَنْ أَكْرَهَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهَا فَقَدْ خَالَفَ عَهْدَ اللهِ وَعَصَى مِيثَاقَ رَسُولِهِ وَهُوَ عِنْدَنَا مِنَ الْكَاذِبِينَ.
وَلَهُمْ إِنْ اِحْتَاجُوا إِلَى مَرَمَّةِ بِيَعِهِمْ وَمَوَاضِعِ صَلَوَاتِهِمْ أَوْ شَيْءٍ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ إِلَى تَعَهُّدِ الْمُسْلِمِينَ بِتَقْوِيَةِ مَوَاضِعِهِمْ لَهُمْ عَلَى مَرَمَّتِهَا، أَنْ يَزِيدُوا عَلَى مَرَمَّتِهَا وَيُعَاوِنُوا وَلاَ يَكُونُ الآنَ عَلَيْهِمْ دَيْناً بَلْ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ وَفَاءً لَهُمْ بِالْعَهْدِ عَهْدِ رَسُولِ اللهِ وَهِبَةً لَهُمْ مِنْهُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
وَلاَ يُكْرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي الْحَرْبِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ لِعَدُوِّهِمْ رَسُولاً وَلاَ عَوْنًا وَلاَ مُتَجَبِّرًا وَلاَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَلِيقُ بِالْحَرْبِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ كَانَ لِلَّهِ ظَالِمًا وَلِرَسُولِهِ عَاصِياً وَمِنْ دِينِهِ مُنْخَلِعاً إِلاَّ تَمَامَ الْوَفَاءِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي أَشْرَطَهَا مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ لِأَهْلِ مِلَّةِ النَّصْرَانِيَةِ.
وَأَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أُمُوراً فِي دِينِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ عَلَيْهِمْ التَّمَسُّكُ بِهَا وَالْوَفَاءُ بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ، مِنْهَا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَيْنًا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي سِرٍّ وَلاَ فِي عَلاَنِيَّةٍ، وَلاَ يَأْوُوا فِي مَنَازِلِهِمْ عَدُوَّ الْمُسْلِمِينَ يَرُدُّ، وَأَوْفَى بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَلاَ بَيْتِهِ وَلاَ أَوْطَانِهِمْ وَلاَ أَضْيَاعِهِمْ وَلاَ شَيْءَ مِنْ مَسَاكِنِ عِبَادَتِهِمْ وَلاَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَلاَ يَزِيدُوا أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ بِسِلاَحٍ وَلاَ خَيْلٍ وَلاَ رِجَالٍ، وَلاَ يَسْتَدْعُوا مَا لاَ بِهِ حَاجَةٌ وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلاَ يُضَايِقُوهُمْ وَلْيُكَرَّمُوا فِي الْأَرْضِ بَقِيَّةَ مَا يَدُومُونَ فِيهَا عَلَى نُفُوسِهِمْ وَيَدُومُونَ عَلَى أَدْيَانِهِمْ بِرِعَايَةِ ذِمَّتِهِمْ، وَأَنْ يَقْرُوا مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَدِيَانَتِهِمْ حَيْثُ مَا كَانُوا وَأَيْنَ مَا حَلُّوا، وَأَنْ يَبْذُلُوا لَهُمْ الْقِرىَ الَّذِي مِنْهُ يَأْكُلُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ شَيْئاً سِوَى ذَلِكَ وَيَحْمِلُونَ الْأَذَى عَنْهُمْ وَالْمَكْرُوهَ.
وَإِنْ اِخْتَفَى أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَمَوَاطِنِ رَهْبَانِيَتِهِمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَأْوُوهُمْ وَيُوَاسُوهُمْ حَيْثُ مَا كَانُوا مَخْفِيّينَ إِذَا كَتَمُوا عَنْهُمْ وَعِنْدَهُمْ، وَلاَ يُظْهِرُوا العَدُوَّ عَلَى أَحَدِهِمْ وَلاَ يَحْمِلُوا شَيْئاً مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ.
فَمَنْ نَكَثَ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهَا فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَ اللهِ وَرَسُولِهِ.
وَعَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ الَّتِي أَخَذْتُ عَلَى الرُّهْبَانِ وَالْإِيمَانِ مِنِّي عَلَى نَفْسِي لَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا وَحَلُّوا.
وَعَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ رِعَايَةِ ذَلِكَ لَهُمْ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ إِلَى الاِنْتِهَاءِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَتَنْقَضِيَ الدُّنْيَا.
وَمَنْ ظَلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ ذِمِّيّاً وَنَقَضَ الْعَهْدَ وَرَفَضَهُ كُنْتُ خَصْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً.
وَشَهِدَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ لِجَمِيعِ النَّصَارَى الَّذِي اِشْتَرَطَ لَهُمْ عَلَيْهِ، إِذْ كَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْعَهْدَ ثَلاَثُونَ شَاهِدًا وَهُمْ: أَبُو بَكْرِ الصِّدِيقِ / عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ / عُثْمَانُ ابْنُ عَفَّانَ / عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ / أَبُو ذَرٍّ / أَبُو الدَّرْدَاءِ / أَبُو هُرَيْرَةَ / عَبْدُ اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ / الْعَبَّاسُ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ / فَضْلُ ابْنُ الْعَبَّاسِ الزَّهْرِي / طَلْحَةُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ سَعِيدُ ابْنُ مُعَاذٍ / سَعْد ابْنُ عُبَادَةَ ابْنُ عُبَادَةَ / ثَابِتُ ابْنُ قَيْسٍ / يَزِيدُ ابْنُ (تَلِيتٍ) ثالث؟ / عَبْدُ اللهِ ابْنُ يَزِيدَ / فَرْصُوصَ ابْنُ قَسِيمٍ ابْنُ بَدْرِ ابْنُ
(إِمَامُ) عَمَّارُ؟ ابْنُ يَزِيد؟َ / سَهْلُ ابْنُ تَمِيمٍ / عَبْدُ الْعَظِيمِ النَّجَشِي / إِبْرَاهِيمَ/ عَبْدُ الْعَظِيمِ ابْنُ حُسَيْنْ / عَبْدُ اللهِ ابْنُ عَمْرُ ابْنُ الْعَاصِ / عَمَّارُ ابْنُ يَاسِرٍ / مَعَظَّمُ ابْنُ مُوسِي / حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ / أَبُو حَنِيفَةَ / عُبَيْدُ ابْنُ مَنْصُورٍ / َاشِمُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ / أَبُو الْعَازَرِ / هِشَامُ ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ / وَكَتَبَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَذَا الْعَهْدَ، وَالسِّجِلُّ مَكْتُوبٌ فِي جِلْدٍ غَيْرِ صَغِيرٍ وَخُلِّدَ بِتَثْبِيتِ حُكْمِ السُّلْطَانِ وَهُوَ مَخْتُومٌ بِخَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلْيِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
كَمُلَ هَذَا الْكِتَابُ الْمُبَارَكُ، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْهُ فِي يَوْمِ الاِثْنَيْنِ الْمُبَارَكِ آخِرَ شَهْرِ بَؤُونَه الْمُبَارَكِ سَنَةَ سَادَتِنَا الشُّهَدَاءِ الْأَطْهَارِ السُّعَدَاءِ الْأَبْرَارِ رَزَقَنَا اللهُ شَفَاعَتَهُمْ، تَكُونُ مَعَنَا آمِينْ.
الْمُوَافِقِ ذَلِكَ لِلسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ الْحَرَامِ سَنَةَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعُمِائَةٍ لِلْهِجْرَةِ الْعَرَبِيَةِ، أَحْسَنَ اللهُ عَاقِبَتَهَا إِلَى خَيْرٍ، آمِينْ.
هَذَا الْكِتَابُ الْمُبَارَكُ مِلْكُ الْمُبَجَّلِ النَّفْسِ الْمَوْلَى الرّئِيسُ الشَّيْخُ الْعَالِمُ سُمْعَانَ نَجْلُ الْمُعَلِّمِ فَضْلُ اللهِ الْمُتَنَيِّحِ نَيَّحَ اللهُ نَفْسَهُ الْمَعْرُوفِ بِالْبَرْلُسِي.
وَنَاقِلُ هَذِهِ الْأَحْرُفِ الْمِسْكِينُ الْمَمْلُوءِ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ يَسْأَلُ الإِخْوَةَ الَّذِينَ يَقِفُونَ عَلَى هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَذْكُرُوهُ فِي صَلَوَاتِهِمْ وَالْمَسِيحُ يُعَوِّضُهُمْ عَنْ ذَلِكَ عِوَضَ الْوَاحِدِ ثَلاَثِينَ وَسِتِّينَ وَمِائَة.
الفصل السادس
عهد النبي محمد (ص) للنصارى الآشوريين
]من محمد رسول الله[
(عن الترجمة الإنجليزية التي أوردها مالخ 1910: 228-230)
)تُرجم النص عن نسخة مكتوبة باللغة الإنجليزية نظرا لتعذر الحصول(
على أية نسخة عربية لهذه الوثيقة.
ترجمة د. محمد الكوش
لَقَدْ أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيَّ فِي رُؤْيَا مَا سَوْفَ أَفْعَلُ، وَامْتِثَالاً لِأَمْرِهِ تَعَالَى أَتَعَهَّدُ بِأَنْ أَحْفَظَ هَذَا المِيثَاقَ.
لِأَتْبَاعِي مِنَ المُسْلِمِينَ أَقُولُ: أَطِيعُوا أَمْرِي، اُحْمُوا وَسَاعِدُوا اُلْأُمَّةَ النَّصْرَانِيَّةَ فِي َبلَدِنَا هَذَا، فَوْقَ أَرَاضِيهِمْ.
اُتْرُكُوا أَمَاكِنَ عِبَادَتِهِمْ فِي سَلامٍ، سَاعِدُوا وَذَبُّوا عَنْ رَئيِسِهِمْ وَقَسَاوِسَتِهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ لِلْمُسَاعَدَةِ، سَوَاءً أَكَانُوا فِي الجِبَالِ، أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ فِي البَحْرِ أَوْ فِي بُيُوتِهِمْ.
لاَ يَمُسُّ مُسْلِمٌ شَيْئاً مِنْ مُمْتَلَكَاتِهِمْ، سَوَاءً أَكَانَتْ بُيُوتاً أَوْ مِلْكِيَّاتٍ أُخْرَى، وَلا يُفْسِدُ شَيْئاً مِنْ أَغْرَاضِهِمْ. وَعَلَى أَتْبَاعِي مِنَ المُسْلِمِينَ أَلاَّ يَضُرُّوا أَوْ يَنْتَهِكُوا حُرْمَةَ أَيِّ أَحَدٍ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، لِأَنَّ النَّصَارَى رَعِيَّتِي، يَدْفَعُونَ الجِزْيَةََ، وَهُمْ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِمُسَاعَدَةِ المُسْلِمِينَ.
لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا تَمَّ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ الجِزْيَةِ، وَأَنْ تُتْرَكَ كَنَائِسُهُمْ كَمَا هِيَ، دُونَ تَغْيِيرٍ، وَأَنْ يُسْمَحَ لِقَسَاِوسَتِهِمْ أَنْ يَتَعَبَّدُوا وَيُعَلِّمُوا كَمَا يَشَاؤُونَ، فَلِلنَّصَارَى حُرِّيَّةَ التَّعَبُّدِ الكَامِلَةِ دَاخِلَ كَنَائِسِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ.
وَلاَ يُهْدَمُ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ صَلَوَاتِهِمْ وَلاَ يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ بِنَائِهِمْ إِلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ، إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْ النَّصَارَى. فَمَنْ خَالَفَ هَذَا الأمْرَ فَقَدْ خَانَ ذِمَّةَ اللهِ وَعَصَى رَسُولَهُ.
وَأَنْ تُصْرَفَ الجِزْيَةُ الَّتِي يُؤَدِّيهَا النَّصَارَى فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَنْ تُودَعَ فِي بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ. وإِنَّ عَلَى الرَّجُلِ العَادِيِّ دِينَاراً وَاحِداً؛ أَمَّا التُّجَّارُ وَالأَثْرِيَّاءُ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ مَنَاجِمَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَعَلَيْهِمْ دَفْعَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً. وَلاَ جِزْيَةَ عَلَى الأَجَانِبِ وَلاَ عَلَى مَنْ لاَ يَمْلِكُ بَيْتاً أَوْ مُمْتَلَكَاتٍ قَارَّةً أُخْرَى. وَعَلَى مَنْ وَرِثَ أَرْضاً أَنْ يُؤَدِّيَ مَبْلَغاً مُقَدَّراً لِبَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ.
وَلاَ يُجْبَرُ أَحَدٌ مِنْ النَّصَارَى عَلَى الْخُرُوجِ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَاءِ الإسْلامِ، لَكِنْ إِذَا هَاجَمَهُمْ عَدَوٌّ، فَعَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَهُبُّوا لِنُصْرَتِهِمْ والذَّبِّ عَنْهُمْ بِالخَيْلِ وَالسِّلاحِ، إِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَصُدُّوا عَنْهُمْ كُلَّ أَذىً أَوْ مَكْرُوهٍ يَأْتِيهِمْ مِنْ الخَارِجِ وَأَنْ يَسْهَرُوا عَلَى مُسَالَمَتِهِمْ. وَلا يُجْبَرُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ كُرْهاً عَلَى الإِسْلامِ، إِلَى أَنْ يَشَاءَ اللهُ أَنْ يُسْلِمُوا.
وَلا يُجْبِرُ المُسْلِمُونَ النَّصْرَانِيَّاتِ عَلَى اعْتِــنَاقِ الإِسْلامِ، لَكِنْ إِذَا رَغِبْنَ فِي اعْتِنَاقِهِ، فَعَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يُعَامِلُوهُنَّ بِالحُسْنَى.
إِنْ تَزَوَّجَتِ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ رَجُلاً مُسْلِماً وَلَمْ تَكُنْ رَاغِبَةً فِي اعْتِنَاقِ الإِسْلاَمِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَحَهَا الحُرَّيَةََ لِتُمَارِسَ دِينَهَا فِي كَنِيَستِهَا وَوِفْقَ عَقِيدَتِهَا الدِّينِيَّةِ الخَاصَّةِ، وَلاَ يَجِبُ أَنْ يُسيءَ زَوْجُهَا مُعَامَلَتَهَا بِسَبَبِ دِينِهَا.
إِذَا خَاَلفَ أَحَدٌ هَذَا الأَمْرَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ وارْتَكَبَ ذَنْباً عَظِيماً.
إِذَا أَرَادَ النَّصَارَى بِنَاءَ كَنِيسَةٍ، فَعَلَى جِيرَانِهِمْ المُسْلِمِينَ أَنْ يُسَاعِدُوهُمْ. إِنَّ عَلَيْهِمْ القِيَامَ بِذَلِكَ لأَنَّ النَّصَارَى أَطَاعُونَا وَأَقْبَلُوا إِلَيْنَا وَالْتَمَسُوا مِنَّا السَّلاَمَ وَالرَّحْمَةَ.
وَإِذَا بَرَزَ مِنْ بَيْنِ النَّصَارَى عَالِمٌ عَظِيمٌ فَعَلَى المُسْلِمِينَ إِكْرَامَهُ، وَلا يَحْسُدُوهُ عَلَى مَقَامِهِ.
وَكُلُّ مُسْلِمٍ ظَلَمَ نَصْرَانِيّاً سَيَكُونُ عَلَيْهِ إِثْمُ مَعْصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ.
لاَ يُؤْوِي النَّصَارَى عَدُوّاً لِلإِسْلامِ أَوْ يُزَوِّدُوهُ بِخَيْلٍ أَوْ سِلاحٍ أَوْ أَيِّ عَوْنٍ. وَإِنْ اُضْطُرَّ مُسْلِمٌ إِلَى التَّخَفِّي فَعَلَى النَّصْرَانِيِّ أَنْ يُضَيِّفَهُ ثَلاثَةََ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، يَكُونُ مُضِيفاً لَهُ وَحَامِيّاً إِيَّاهُ مِنْ أَعْدَائِهِ.
وَفَضْلاً عَنْ ذَلِكَ، يَجِبُ عَلَى النَّصَارَى أَنْ يَحْمُوا نِسَاءَ وَأَطْفَالَ المُسْلِمِينَ وَلا يُسَلِّمُوهُمْ إِلَى عَدُوٍّ أَوْ يُظْهِرُوا العَدَوَّ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ.
إِذَا نَكَثَ النَّصَارَى شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَقَدْ ضَيَّعُوا حَقَّهُمْ فِي الحِمَايَةِ وَصَارَ المِيثَاقُ لاغِياً وَبَاطِلاً.
يَجِبُ أَنْ يُعْهَدَ بِهَذِهِ الوَثِيقَةِ إِلَى أَمِيرِ النَّصَارَى وَرَئِيسِ كَنِيسَتِهِمْ مِنْ أَجْلِ حِفْظِهَا.
وشهد على العهد:
أبو بكر الصديق / عمر بن الخطاب/ عثمان ابن عفان / علي ابن أبي طالب / معاوية بن أبي سفيان / أبو الدرداء / أبو ذر / أبو براء/ عبد الله بن مسعود/ عبد الله بن عباسِ/ حمزة بن المطلب/ فضل بن العباس / الزبير بن العوام / طلحة بن عبد الله / سعد بن معاذ/ سَعد بن عبادة / ثابت بن قيس / يزيد بن ثابت/ عبد الله بن يزيد/ سهل بن صوفية؟ [أو صيفة / [عثمان بن مظعون / داود بن جباح / أبو العالية / عبد الله بن عمرو بن القاضي / أبو حذيفة / ابن عسير/ ابن ربيعة / عمار بن يَاسر/ هاشم بن عصية / حَسّان بن ثابت / كعب بن كعب / كعب بن مَالك / جعفر بن أبي طالب.
رضي الله عنهم أجمعين.
كتب هذا العهد معاوية بن [أبي] سفيان، من إملاء محمد، رسول الله، في السنة الرابعة من الهجرة، في المدينة.
موافقات
إن العهود والمواثيق التي كتبها النبي محمد (ص) لنصارى/مسيحيي زمانه تأمر بنفس الطريقة كافة المسلمين بأن يمتنعوا عن اضطهاد الطوائف النصرانية/المسيحية المسالمة، ويأمرهم بالدفاع عنها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. يضم الكتاب [الذي بين أيدينا] مستندات ووثائق يعز الحصول عليها، بما في ذلك نسخاً لمصادر أصلية [إما] باللغة العربية أو باللغة الفارسية، كما يشتمل على نسخ مصححة ومنقحة كتبت بخط عربي حديث ونقلت إلى العربية بأسلوب عربي حديث. وعليه فإن أمام الباحثين كل ما يحتاجون إليه لخوض مزيد من البحث المعمق في المواثيق النبوية .
ولقد كان توفيقاً من الله ومنة منه تعالى أن تم الكشف عن تلكم الوثائق في هذه اللحظة التاريخية بالذات. لقد آن الأوان للمسلمين والمسيحيين أن يقفوا صفاً واحداً أمام النظام العالمي العلماني الذي ما فتئ يؤجج الصراعات بينهم، ويسعى جاهداً إلى سلبهم استقلاليتهم، بل أضحى يهددهم في وجودهم نفسه. نسأل الله تعالى للمسلمين والمسيحيين دوام الألفة والتآلف.
إن هذا النص السردي له من القوة ما من شأنه أن يعمل على توحيد صفوف المسلمين والمسيحيين، إنه بحث أكاديمي قيِّم ظهر في أوانه، ومن شأن مضامينه أن تلعب دوراً حاسماً في إشاعة الاحترام المتبادل وقيم الحرية الدينية (الإمام فيصل عبد الرؤوف، رئيس ‘مبادرة قرطبة’)
في هذا العمل الذي يعد مرجعاً ضرورياً لكل دراسة تتناول الديانات الإبراهيمية الثلاث، يحكي الأستاذ جون أندرو مورو قصة النبي محمد (ص) ، بما في ذلك كيف اتخذ من تجربته الصحراوية المتضمنة لقيمتي الكرم وحماية الضعيف وسيلة للمِّ شمل المسلمين والمسيحيين. يـذكِّرنا مورو في هذا الباب [بمعنى] حديث النبي الذي كان صالحاً بالأمس كما كان لا يزال صالحاً اليوم بأنه “لا ظلم ولا عدوان على أهل الكتاب”. (جوزيف هوبز، جامعة ميزوري).
أصبحنا ندرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أنه محكوم علينا إما أن نتعلم كيف نعيش معاً كإخوة، وإما أن نقتتل فنموت كحمقى. إن هذه الرسائل [أو العهود] التي كتبها النبي محمد (ص) من أجل الطوائف النصرانية من شأنها أن تزرع بين المسلمين والمسيحيين روح القدرة على التساكن والعيش المشترك، كعباد لله، وكأصدقاء وجيران، مُؤْتَمَنينَ جميعاً على نفس الكوكب الأرضي الصغير. (عميد صافي، جامعة كارولينا الشمالية).
ليست هذه العهود والمواثيق وثائق تاريخية فحسب، بل ستبقى عهوداً سارية المفعول ذات قوة إلزامية بالنسبة لجميع المسلمين من يوم كتبت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إن هذا العمل للدكتور مورو قد أنار أفقاً جديداً للقانون الدولي العام الإسلامي كما أنه عملٌ يحفز على مزيد من البحث والتقصي الأكاديمي لدراسة تلك العهود والمواثيق (هشام م. رمضان، دج د- الجامعة متعددة التخصصات، كوانتلين).
إن كتاب عهود النبي محمد (ص) لمسيحيي العالم هو مصدر مفيد لكل المهتمين بالتاريخ الثقافي الديني للعالم الإسلامي، إضافة إلى دراسة الدين الإسلامي والديانة المسيحية. كما أن الكتاب سيساعد على تقوية معاني التسامح وحسن النوايا ومزيد من التفاهم بين الحضارات المختلفة؛ فهو يفتح آفاقاً جديدة للمزيد من الدراسات والبحوث (عايدة قاسموفا، جامعة باكو الحكومية).
لقد بذل الأستاذ مورو في هذا الكتاب القيم مجهوداً مشكوراً، وأبان عن تفان محمود يحسب له؛ وهو ما يؤهله بلا شك لجلب أنظار طلاب الدارسات الإسلامية والمتخصصين في علومها. إن الكتاب دعوة صادقة ومقنعة إلى إعادة النظر –برؤية جديدة- في العلاقة التي تربط بين الرسائل الإبراهيمية الثلاث: رسالة موسى وعيسى ومحمد (ص). عمـرو سـلاّم (جامعة محمد الأول، وجدة- المغرب).
إن هذا الكتاب قد يؤسس لما يمكن اعتباره المصدر الثالث للأسس التي ينبني عليها الدين الإسلامي. وهذا المصدر يتمثل في العهود والمواثيق التي كتبها النبي محمد (ص) لأهل الكتاب. لقد توصل الدكتور مورو إلى نتائج ذات أهمية غير مسبوقة من حيث إنها تفرض مبدأ إشاعة التعايش السلمي بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. والكاتب -وهو يضمِّن مؤلَّـفَه ترجمات متعددة للعهود المذكورة يمكن إجراء عمليات مقارنة بينها- فهو يبين من خلالها كيف كان النبي (ص) وأتباعُه يعاملون المسيحيين واليهود باحترام ولطف، لا معاملة تقتصر على مجرد ”التسامح” (بريدجيت بلومفيلد، جامعة نبراسكا).
إن كتاب عهود النبي محمد (ص) لمسيحيي العالم هو مؤلَّـف جاء في وقته وإبانه، كما أنه كتاب ذو سبق على غيره بما يتصف به من عمق وشمولية. فهو يسلط أضواء كاشفة على أفكار النبي محمد (ص) وعلى سياسته (محمد الكوش، جامعة محمد الأول، وجدة، المغرب).
تقلَّـب الأستاذ الدكتور جون أندرو مورو في عدة مناصب مدرساً ومزاولاً للعمل الإداري في عدة كليات وجامعات. كما قام بتأليف عدد كبير من الكتب منها [ومن أحدثها]: موسوعة النباتات الطبية الإسلامية، (منشورات ماك فرلاند (2011)، وكتاب الدين والثورة: الإسلام الروحي والإسلام السياسي عند إرنستو كاردنال- (منشورات كامبردج سكولارز بابلشينغ (2012)، بالإضافة إلى كتاب صور ومفاهيم إسلامية: مقالات في الرمزية المقدسة (منشورات ماك فرلاند (2013).
نداء مبادرة العهود المحمدية
(ترجم النص الإنجليزي د. عمــرو ســلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
كرد على الصراعات الهمجية التي تزرع الدمار في مختلف بقاع العالم، أخذ المسلمون المهتمون بهذه القضية على عاتقهم اغتنام صدور كتاب عهود النبي محمد (ص) لمسيحيي العالم كفرصة سانحة من أجل تبني نداء ‘مبادرة العهود المحمدية” والتي توجه دعوة مفتوحة للمسلمين عبر العالم لتوقيع البيان التالي:
“إننا نحن الموقعين أسفله نعبر عن التزامنا بروح ونص العهود والمواثيق التي كتبها النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمسيحيي العالم، مؤكّدين على أن هذه العهود، في حال قبول صحتها، تصبح متمتّعة بقوة القانون في نظر الشريعة الإسلامية في وقتنا هذا، وأنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية، كما تم تأويلُها التأويلَ الصحيح المتواتر، ما يناقض تلك العهود المحمدية، سواء في الماضي أو في الحاضر. وبِحُكْم أننا مثلكم [معشر المسيحيين]، نشكّل جماعة من ضحايا الإرهاب والإلحاد، وضحايا روح العلمانية المناضلة والتدين الكاذب المنتشر الآن عبر العالم، فإننا نتفهّم معاناتكم كمسيحيين من خلال معاناتنا كمسلمين. كما أننا ندرك عمق معاناتنا بالتأمل المتفحص لمعاناتكم. ندعو الله تعالى وهو أرحم الراحمين، أن يحتسب معاناة كل القابضين على جمرة الحق، ويحتسب سبحانه وتعالى معاناة كل بريء. كما ندعوه جل وعلا أن يمِدَّنا بمدده وعونه في خضوع تام لمشيئته، من أجل العمل سوياً نصاً وروحاً بما جاء في عهود النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي كتبها لمسيحيي العالم، في جميع أوجه معاملاتنا معهم. بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين”: إننا سنعمل جاهدين على بعث رسائل المساندة والتأييد التي نتوصل بها، إلى جانب نسخ من كتاب ‘عهود النبي محمد (ص) لمسيحيي العالم،’ إلى زعماء الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط، والقارة الإفريقية، وغيرهما من بقاع العالم حيث يعاني الكثيرون في الوقت الراهن من هجمات خطيرة على يد الجماعات الإسلامية “المتطرفة.”
ونظراً للتفجيرات والاعتداءات الهمجية التي تم اقترافها باسم الإسلام في الماضي القريب، وأخرى يمكن أن تُرتكب في المستقبل لا قدر الله، فإنه يمكننا أن نقول دون حرج إننا أحوج ما نكون كمسلمين في هذا الوقت بالذات، إلى الإعلان صراحة عن تبرّئنا من التماهي والخلط الذي قد يقع في أذهان غير المسلمين في الدول الغربية، بين الإرهاب الإسلاموي المتنامي والإسلام الحقيقي في شموليته و[تسامحه]. لقد ظل الإسلام على مدى القرنين الماضيين هو الطرف الخاسر في كل لقاء جمعه في تعامله بالعالم الغربي، وأصبح الآن عرضة لهجمات متتالية وبلا هوادة تأتيه من الداخل كما تأتيه من الخارج. قد يتساءل البعض إذن لماذا هذا الحرص من جانب المسلمين على إثارة الانتباه لمعاناة المسيحيين في الوقت الراهن؟ إن أحد الأجوبة على ذلك هو أن الشعور بالرأفة والشفقة تجاه من يعاني مثلك في وقت أنت فيه في أمس الحاجة لتلك المشاعر، لهو فعل ينِمُّ عن حزم وشهامة. إن الذين يتقدمون للناس بمطالب غالباً ما يجعلون أولئك الناس ينفضُّون من حولهم، على خلاف من يتقدمون إليهم ببذل المساعدة، فإنهم يلتفُّون حولهم.
لقد آن الأوان لكي يتجاوز المسلمون مجرَّد الاحتجاج ولسانُ حالهم يقول: “لكننا لسنا جميعاً إرهابيين.” فهذه العبارة بالرغم مما تتضمنه من صدق واضح، إلا أنها تشي بشيء من الحس الأناني الذي يخدم الذات في نظر الكثير من الناس من غير المسلمين، سواء أتم الاعتقاد فيها أم لم يتم. كما أنه حان الوقت أن يتخذ المسلمون موقفاً حازماً واستباقياً وعلنياً يساند المسيحيين المسالمين الذين يتعرَّضون الآن لهجمات “المسلمين” الضالين، مستندين في موقفهم ذلك بما أمر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ضوء بعض الوثائق التي تم اكتشافها أخيراً وتوثِّق كلام النبي( ص) نفسه.
إن هذا المشروع الحالي ستكون له -إن شاء الله تعالى- ثلاث نتائج إيجابية تتفاوت تصاعدياً من حيث القيمة، متمثلة فيما يلي: (أولاً) من شأنها أن تقدم المسلمين لأولئك الذين لا زالوا يمتلكون درجة من الشعور بالإنسانية في صورة إيجابية، وبكيفية قد لا تخطر على البال. (ثانياً) إنه من شأنها أن تساعد على حماية بعض الأرواح. (وثالثاً) إنه عمل ينبغي القيام به لوجه الله تعالى امتثالاً لأمره تعالى الواضح كما أتى على لسان نبيه محمد (ص).
إن السلام لا يتم إرساؤه ونشره انطلاقاً من التعبير عن مشاعر السلام فحسب، أو بمجرد الاقتصار على المشاركة في التظاهرات المنادية بالسلام. إن السلام يتحقق بمجابهة وخوض الصراعات، دون الغفلة عن ذكر الله تعالى واستحضار مشيئته تعالى في ذلك. إنه لأمر نادر أن يتكاتف الامتياز الاستراتيجي مع الاستقامة الأخلاقية، إلى جانب أوامر الله تعالى من أجل رسم خطة عمل خاصة [لمواجهة الوضع]. إننا نعتقد أن نداء مبادرة العهود والمواثيق المحمدية يمثل بالضبط ذلك التكاتف والتلاقي. فإذا حركك ضميرك [أخي المسلم/ أختي المسلمة] بعد قراءتك لهذا الكتيب (العهود الست للنبي محمد بن عبد الله لمسيحيي زمانه) [أو كتاب عهود النبي محمد (ص) لمسيحيي العالم] آخذاً في الحسبان دائماً أنه لا أحد بإمكانه أن يقرر مكانك أو يفرض عليك أي شيء- مصداقاً لقوله تعالى: “لا إكراه في الدين” (256:2)، فبإمكانك أن تضيف اسمك إلى قائمة الموقِّعين على هذا النداء، فقد تم وضع حيز رهن إشارتك لهذا الغرض على الرابط الإلكتروني التالي:
http://www.covenantsoftheprophet.org